صراع الحمير والفيلة في أمريكا !!..

تأليف: 

عمر الصلح

 

مع كل انطلاقة للانتخابات الرئاسية الأمريكية  يشاهد الأميركيون والعالم خلال الحملة مليارات الصور المنشورة التي تجسد الصراع بين الحمير والفيلة ..!
بهذه الصور الكاريكاتيرية  يجعل الإعلام الانتخابي الشعب الأميركي يبتسم كل يوم حين يشاهد صراع الحمير مع الفيلة ..! الابتسامة هي البديل الانتخابي للغضب والكآبة التي تصاحب عادة جميع الانتخابات في أنحاء مختلفة من العالم ، وخاصة في العالم الثالث حيث تكون البنادق والمسدسات هي الشعارات الرئيسية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ..!

وفي حملة انتخابات 2008  ظهرت بعض الصور عن هذا الصراع في الصحافة و حتى في شوارع المدن الأميركية . إحدى مبتدعات الدعاية الانتخابية كانت برسم كاريكاتيري ساخر تظهر في إطاره صورتان:
(1) الأولى صورة حمار (شعار الحزب الديمقراطي) تمتطيه امرأة بفستان زاه أصفر (هيلاري كلينتون ) وخلفها شاب أسمر (أوباما) وقد أخذ كل منهما يقدم للحمار جزرة مربوطة في طرف عصا  طويلة  .!   وهي التعبير الانتخابي عن إستراتيجية  الحزب  الديمقراطي التي تقوم على" الترغيب والترهيب "...

(2) أما في الصورة الأخرى التي تظهر في أسفل الرسم ، فنرى مرشحين أثنين أيضا هما (مكاين  ورومني) وهما من الحزب الجمهوري يمتطيان ظهر فيل (شعار الحزب الجمهوري) وقد راح كل منهما يضرب الفيل بعصاه الغليظة التي ترمز إلى السياسة المحافظة للجمهوريين التي تعتمد على " الحزم والقوة " .

 فما هي قصة الجمهوريين مع الفيل والديمقراطيين مع الحمار ؟   ومن أين بدأت ؟ وما معنى هذين الرمزين لكل من الحزبين ؟

 لم ينتق الجمهوريون والديمقراطيون هذين الرمزين لحزبيهما  بل التصق هذان الرمزان بهما منذ انطلاق المعارك الانتخابية بينهما على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية .   القصة بدأت مع رسام الكاريكاتير توماس ناست الذي استخدم الحمار والفيل في رسم كاريكاتوري عام 1870 في مجلة هاربر الأسبوعية  كرمز للحزبين , وبهذا الرسم كرس ناست الحمار كشعار للحزب الديمقراطي وابتدع الفيل كرمز للجمهوري ومنذ ذلك الحين التصق هذان الرمزان بكل نشاطات الحزبين ومواقفهما السياسية , واصبح الحمار والفيل يظهرا بشكل شبه يومي على صفحات المجلات والصحف الأمريكية ولاحقا العالمية كرمزين يجسدان هذين الحزبين .

       

الحمار الديمقراطي !

 

   رفع المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية أندرو جاكسون في انتخابات عام 1828 شعار (دعوا الشعب يحكم) ،  فذهب خصومه الجمهوريون الى حد وصفه بأنه (غبي) أولاً ، ولاحقا  نعتوه بأنه (حمار) على خلفية مواقفه من قضية إعادة تأجير البنك المركزي .  فكرة الحمار أعجبت جاكسون حتى أن جاكسون نفسه بدأ يدعو الى وضع الحمار كشعار على الملصقات خلال حملته الانتخابية  ، وفي 19 كانون الثاني من العام 1870 أعاد الرسام الكاريكاتوري الأمريكي توماس ناست إحياء شعار الحمار للديموقراطيين، ناشراً في مجلة "هاربرز" الأسبوعية كاريكاتوراً فيه "حمار حي يرفس أسداً ميتا". في إشارة ساخرة للمواقف المتشنجة الغير مدروسة للديمقراطيين ( الحمار نتيجة غبائه لم يدرك أن الأسد ميتا من جهة ونتيجة تشدده بصوابية موقفه راح يرفس الأسد الميت ليؤكد أن الحمار يستطيع أن يرفس أسدا ) ومنذ ذلك الحين اصبح الحمار ملتصقاً بالحزب الديمقراطي .

 

الفيل الجمهوري !  
 توماس ناست نفسه الذي الصق  رمز الفيل بالحزب الجمهوري ! فقد نشر رسماً كاريكاتيريا في العام 1970 صوّر فيه الحمار الديمقراطي مرتدياً جلد أسد غاضب مثيراً للرعب يهاجم مجموعة حيوانات بينها فيل على جسمه عبارة (الصوت الجمهوري) ، منذ ذلك الحين التصق الفيل بالحزب الجمهوري , وبالنسبة لناست فقد كان الفيل يعني كثرة المال لدى الجمهوريين ( الضخامة )  إضافة الى صوتهم الانتخابي الوازن( نسبة الى وزن الفيل ) , وانطلاقا من هذا التعبير الساخر اصبح الفيل رمزا للجمهوريين .

 

كيف يرى الجمهوريون والديمقراطيون  الحمار والفيل !

 

يعتبر أعضاء الحزب الجمهوري أن الحمار كرمز يعني الغباء وقلة الإدراك وبعد النظر في القضايا السياسية والاجتماعية وان الحمار لو ارتدى جلد أسد فانه في داخله سيبقى حمارا تنقصه العقلانية وصوابية التفكير في اتخاذ المواقف اللازمة لاستمرارية بناء الدولة . وهم أي الجمهوريون يرون في الفيل رمزا للحزم والقوة والعظمة والاحترام والقدرة على تخطي المصاعب , وبما انه الأكبر والأضخم بين الحيوانات فأن الحكم الجمهوري سيحافظ على ضخامة وعظمة وقوة الولايات المتحدة الأمريكية ومكانتها في العالم . في حين يرى الديموقراطيون غير ذلك إذ انهم يعتبرون الحمار رمزا للتحمل  والكد والصبر والتصميم والبساطة والإخلاص للقضايا الشعبية العامة , أما الفيل فيعني كثرة الدهن أي كثرة الأموال , ويتهمون الجمهوريين انهم يشفطون أموال  الشعب كما يشفط الفيل الماء والطعام بخرطومه , إضافة الى وصفهم بالجبن على أساس أن الفيل وبالرغم من ضخامة جسده فانه يخاف من الفأر , وهذا ما لا يخولهم قيادة دولة عظمة كالولايات المتحدة الأمريكية.

 

العم سام !

لم يكتف ناست بابتداع الفيل والحمار كرمزين للحزبين الأمريكيين , بل يرجع الفضل له أيضا بابتداع الصورة الشعبية الأمريكية التي تعرف في جميع أنحاء العالم (بالعم سام ) إذ عمد الفنان خصوصاً بعد الحرب الأهلية الأمريكية، إلى توظيف اللحية لدى إبراهام لينكولن وإلصاقها مشذبة في ذلك الرمز، إضافة إلى استلهامه بعض المميزات من الأخ جوناثان (حاكم ولاية كونكتت )، ليخرج (العم سام) بقسماته الجادة والذكية ، وعناصر حلته المستعارة من العلم الأمريكي، كرمز وطني للولايات المتحدة.

 

والواقع أن البحث في المصدر الذي استوحى  منه ناست (العم سام)، يعود إلى مفارقة لا تخلو من دعابة ساخرة ، وتتمحور هذه المفارقة حول وكيل لحوم أمريكي اسمه صموئيل ويلسون، كان يمد الجيش الأمريكي باللحوم في الحرب عام 1812. واللافت في الموضوع أنه كان يرسل اللحوم في براميل ختمت بحرفي ( U S ) ما يعني بشكل مختصر ( ملكية حكومية ) . وعلى اعتبار كبر سن ويلسن ومركزه الاجتماعي كان يطلق عليه لقب (العم سام) ( Uncle Sam )، وربطا للحرفين على براميل اللحوم، بأول حرفين في اسم الرجل، أخذ الجنود يطلقون مزاحا اسم (العم سام) على الملكيات الحكومية كافة ، لتجد هذه الدعابة دربها باتجاه إضفاء تجسيد روح المواطنية على هذه الشخصية . وهناك آراء أخرى مختلفة حول مصدر شخصية (العم سام)، لكن اتخاذ الكونغرس الأمريكي في 15 أيلول من عام 1961، قراراً بتكريم الرجل، وإحياء ذكراه، يؤكد صدقيه هذا المصدر .

 

أصل حكاية سانتا كلوز أو بابا نوييل !

 

استوحت الحكاية الأمريكية فكرتها وأسمها عن شخصية سانتا كلوز من الأسطورة الهولندية عن سيناتور كلاس التي أوصلها المستوطنون إلى نيويورك في القرن السابع عشر.

ظهرت هذه الشخصية لأول مرة في الصحافة الأمريكية عام 1773 باسم " سانتا أي. كلوز " لكن الكاتب الأمريكي المعروف واشنطن آرفنغ قدم المعلومات الأولى المفصلة عن الرواية الهولندية التي كانت تدور حول سانت نيكولاس " القديس نيكولاس " .

فيما ضمن الكاتب كليمنت كلارك مور روايته  عن سانتا كلوز تفاصيل كثيرة كأسماء الغزلان الثمانية التي تجر عربة سانتا كلوز، وقد ابتكر الكاتب اسم غزال الرنة التاسع الذي اسماه "رودولف" في العام 1939 , ووصف ضحكاته، وغمزاته، وإيماءاته للأطفال : والطريقة التي يشير بها إلى القديس نيكولاس على انه قزم يخرج من المداخن .

من جهته أعطى الفنان توماس ناست صورة متقنة جداً لسانتا كلوز بأنه رجل ممتلئ الجسم ويرتدي ثياب حمراء اللون ويحمل غليونا بيده وبجانبه العاب للأطفال وهو  في العقد الثامن من عمره , ولديه لحية بيضاء كثيفة الشعر . واصبح سانتا كلوز مادة دائمة لناست على مدة سنوات طويلة و وفي العام 1890 اصدر ناست كتيبا تضمن 66 رسما لسانتا كلوز حملت مواضيع كثيرة وابتدع ناست الكثير من مواصفات سانتا  مثل   : ان لديه ورشة عمل تقع في القطب الجنوبي ، وان العاملين فيها هم مجموعة من الأقزام المثابرين الذين يقومون بصناعة اللعب للأطفال ، وأن له قائمة تكتب بها أسماء الأطفال الطيبين والسيئين في العالم , وانه يتلقى الرسائل من الأطفال ,  على الفور لقيت صورة سانت كلوز التي قدمها ناست استحسانا من المؤسسات التربوية والثقافية  , كما  وبدأت المؤسسات التجارية تعتمد رسوم ناست لبطاقات التهنئة بالميلاد , كما وتوحد تاريخ الميلاد في جميع الولايات الأمريكية  في 25 ديسنمبر وكرست العطلة ومدت لأسبوعين , وحصل ناست على كتاب شكر من طلاب مختلف الولايات الأمريكية  .   ومنذ ذلك الحين اصبح سانتا كلوز يظهر بالشكل الذي قدمه ناست في رسومه الكاريكاتيرية , وخلال 24 عاما أنتج  ناست  76 رسما وحفرا تناولت سانتا كلوز  وعيد الميلاد .

 

تويد !

لم يغب ناست عن أي قضية أو مناسبة وطنية كبرى ، وعن العملية السياسية ، والانتخابات ، والفضائح في الإدارات الحكومية بل حاول تجسيد كافة الأحداث من خلال رسومه الساخرة والناقدة .  واحدة من رسوماته السياسية الشهيرة كانت تستهدف محافظ نيويورك بوس تويد الذي نجح في تحويل ملايين الدولارات الى محافظته وبالتالي الى جيبه وجيوب المحيطين به , فسخر ناست سلسلة من الرسوم الكاريكاتير يه فضح من خلالها تويد في إطار حملة لمكافحة الفساد في الحكومة. خاض ناست هذه الحرب الكاريكاتيرية التي تمحورت جميع مواضيعها حول الفساد ونهب الأموال العامة   لمدة سنة ونيف  حتى رفع الشعب الأمريكي الصوت عاليا  ومعلنا أن   تويد لم يعد يطاق وأن الفساد الذي يسببه قد يصيب الجسم الأمريكي الرسمي عموما إذا استمر بفساده ونهبه للثروات الحكومية . وسرعان ما القي القبض على تويد  وجرت محاكمته وأودع خلف القضبان .

 

ناست والهاربر !

 

مجلة هاربر الاسبوعيه لم تضع قيودا على أعمال ناست الكاريكاتيرية ,  وكان واضحا أن هذا التعميم قد زاد بنسبة كبيرة من إنتاجيته ، حتى أن إدارة هاربر لم تخضع أعمال ناست  للتحرير والرقابة  الأمر الذي دفع بناست لوضع كل طاقاته الفكرية في رسوماته الكاريكاتيرية التي كانت تحتل زاوية رئيسية في الصفحات الأولى وعلى غلاف الهاربر .

ناست كان مشغولا بما فيه الكفاية ، بالإضافة الى العمل لهاربر ، فقد كان منذ بداية عمله  يصدر منشور بعنوان "nast ". كما وعمل على إصدار عدد من الكتب, إضافة لجولات كثيرة في أنحاء البلاد كان يلقي خلالها  محاضرات متنوعة المواضيع.

بحلول العام 1880 وصف ناست بأنه رجل ثري, ووصل دخله الى1880 دولار أي  اقل بقليل من دخل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة . وقدرت بعض ممتلكاته في هارلم ( نيويورك  ) ب  90000 ألف دولار , وقدرت الأوراق المالية الحكومية  التي كان يمتلكها ب 60.000 دولار, إضافة الى  منزله في موريستاون ( نيوجيرسي) الذي بلفت  قيمته 100000دولار .  ومنذ منتصف العام 1870 كان يتقاضى من  هاربر الأسبوعية مرتب 20000 دولار سنويا بالإضافة الى 150 دولار على كل رسم ينشر .

إثر وفاة رئيس تحرير هاربر ( فليتشر هاربر) ، حل مكانه محرر جديد اسمه (جورج دبليو كيرتس) الذي اعتمد  سياسة اكثر تحفظا على منشورات المجلة . وهنا  بدأت الخلافات بين كيرتس  وناست على بعض الرسومات وخصوصا السياسية منها . ونتيجة لهذه الخلافات  بدأت تصدر الهاربر بدون رسوم ناست أحيانا وغاب عن تصدر غلافها كما جرت العادة على مدى سنوات طويلة   . هذا التغيير في سياسة تحرير الهاربر ، إضافة الى اختراع جديد لعملية استنساخ الرسوم التوضيحية  ، أسفر عن خروج ناست من الهاربر عام 1886.

بعدما ترك ناست الهاربر انكب على إعادة النظر في رسومات ولوحات وأعمال  قديمة . وفي العام 1890 نشر ناست بعض الرسوم في صحيفة محلية , وكان مصروفه اكثر كثير من دخله فوصل به الحال الى حد الفقر ,  ثم عين سفيرا للولايات المتحدة في  الإكوادور عام 1902 ولم يشغل هذا المنصب سوى ستة اشهر حيث توفي في العام نفسه بسبب مرض الحمى الصفراء .

 

نبذة عن حياة وتجربة ناست !

 

ولد توماس ناست في 27 أيلول / سبتمبر عام 1840 في مدينة لانداو الالمانية . واتسمت تلك المرحلة بالهجرة الواسعة من أوروبا الى أمريكا  ، وتبعا للتقاليد السائدة هاجر ناست مع والدته وشقيقته في العام 1846 الى الولايات المتحدة , وتبعهم والدهم بعد أربع سنوات .  وبعد وصولهم إلى نيويورك أدخلت السيدة ناست  طفليها الى مدرسة عامة . ففي حين تمكنت شقيقته من إجراء التغييرات والتأقلم مع الحياة الجديدة  ، لم يتمكن  توماس من التكيف مع ظروف الحياة هناك نظرا لعدم إلمامه باللغة الإنكليزية  , وكان يقول عن تلك المرحلة انه كان يذهب مرغما الى المدرسة  وانه كان دائما عند حافة الفشل .  

منذ الصغر كان ناست يهوى الرسم بالشموع والطباشير  وكان يمضي ساعات طويلة بممارسة الرسم بالرغم من أن والديه لم يكونا مقتنعان بهذه الموهبة, وأخيرا وفي سن الثانية عشرة تمكن ناست من إقناع والديه بنقله من المدرسة العادية الى مدرسة للفنون , وقد لعب دورا كبيرا في هذا التعيير جار عائلة ناست  الذي كان يرى في رسومات ناست موهبة لافتة .  وبعد ذلك بثلاث سنوات اضطر ناست الى ترك مدرسة الفنون بسبب مشاكل مالية لدى عائلته وبدأ البحث عن فرصة عمل  .

الحصول على عمل لم يكن سهلا نظرا لان ناست لم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر , إضافة الى انه  لا يستطيع القراءة أو الكتابة بسبب مرض الزهايمر الذي كان يعاني منه , كما وكان قصير القامة ولا يستطيع أن يقوم بأي عمل يدوي باستثناء مهارته  التي تكمن بعرض قدرته على استخلاص ما شاهده وعكسه على شكل رسوم , وكان من الصعب جدا في تلك المرحلة الحصول على وظيفة مصور من دون شهادة اختصاص في ذلك المجال وقد حاول الحصول على عمل في بعض الصحف لكنه لم يفلح , ولكن ذلك لم يوقفه من الاستمرار عن البحث , وأخيرا أنتظر اللحظة المناسبة وتقدم لوظيفة مصور الى  الناشر فرانك ليسلي الذي وافق على تجربة ناست من باب  الدعابة فطلب منه رسم أحد شوارع  مدينة مانهاتن باشر ناست بالعمل ورسم أحد الشوارع خلال ساعة الذروة واكتظاظ المنطقة بالناس وعاد صباح اليوم التالي بعد الانتهاء من الرسم وكانت المفاجأة  لليسلي الذي اعجب بالرسم وقال أن ذلك يستحق النشر  , واستأجر ناست على الفور!

بينما كان يعمل في منشورات فرانك ليسلي كان ناست  يمارس  فن الحفر على الخشب من العام1855 الى  1858 وهذا ما كان يقدم له دخلا إضافيا . عمل ناست لفرانك ليسلي حتى العام  1858عندما  تعرضت مؤسسة ليسلي لازمة  مالية مما اضطرها  لصرف بعض العاملين ومن بينهم كان ناست  . وبعدها تمكن ناست من العمل في استديو للفن لمدة عام واحد و في عام 1859بدأ رحلته مع أول محاولة  لرسم كاريكاتوري سياسي , وكان  رسمه الأول  يصور فضيحة في إدارة شرطة مدينة نيويورك , وعرض ناست الرسم على  ناشر هاربر الاسبوعيه الذي  قبل الرسم  ونشره .
 عمل ناست في هاربر الاسبوعيه لحوالي سنة واحدة فقط قبل أن ينتقل بعرض من أخبار  نيويورك وبضعف راتبه لتغطية الأحداث الجارية في أوروبا , ومن دون مقدمات ترك ناست الهاربر للاستفادة من مرتب عال لمساعدة العائلة في تسديد ديونها  إضافة الى أن العمل يشكل فرصة للسفر في العالم ، لكن أخبار نيويورك لم تسطع تسديد اجر ومصاريف العمل في أوروبا لناست بشكل منتظم  حتى انه لم يحصل على  الأموال المستحقة له بموجب الاتفاق مع أخبار نيويورك , فاضطر للعمل  في أخبار لندن لجمع الأموال والعودة الى نيويورك.

 

اندلعت الحرب الأهلية  الأمريكية  في العام 1861 وعرض عليه أصدقاؤه العودة الى  الهاربر , وافق ناست على الرغم من الخجل الذي كان يشعر به بعدما ترك الهاربر من دون توضيح , لكنه طلب تأكيدات  تقضي انه  يستطيع أن يفعل أكثر من تغطية الحرب بصفة مصور . أعادت الهاربر  توظيف ناست طيلة مدة الحرب ، وقضى وقته  يعمل على تصوير العديد من المعارك ومشاهد الحرب, وذلك بين 1862 و 1865 , وكانت له 55 لوحة في هذا الموضوع .

مشكلة عدم قدرته على القراءة والكتابة وجد  ناست  لها حلا , فقد كان يطلب من زوجته كليمنت مور  أن تقرأ له  حتى يتمكن من استلهام الأفكار التي كان يعمل عليها وقال ناست  انه كان  يستأجر أساتذة  لقراءة  العلوم ، والفيزياء ، والتاريخ ، وشكسبير ، وكتب الشعوذة  ، ومارك توين وغيرهم وانه من هذه القراءات اكتسب علمه  والإلهام للعديد من المحفورات والرسوم .

عمل ناست لنحو نصف قرن مقدما الكثير من الروائع الفنية بالرغم مما كان يعانيه بسبب مرضه الذي لم يسمح له بالحصول على المزيد من عطاءات الدنيا ولم يفسح له بالمجال لتقديم روائع فنية كثيرة أيضا , لكنه قاوم وتعايش مع المرض حتى العام 1902 حيث توفي بمرض الحمى الصفراء بعد تعينه سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في الإكوادور بستة اشهر .