الحاسة السادسة

تأليف: 

انتهيت للتو من مشاهدة  فلم الحاسة السادسة للمخرج( نايت شيامالان)، وتذكرت أن في جيبي بطاقة يانصيب  اشتريتها منذ يومين، أحلامي بثروة  تمنحني بعض الطمأنينة لا تتوقف، توجهت إلى جهاز الكمبيوتر وشغلته، ثم فتحت الإنترنيت عبر مشغّل (أوبرا) الذي استخدمه، ومن بين نوافذه العشر المفتوحة دائما، ضغطت على نافذة موقع اليانصيب الذي أردت من خلاله معرفة نتائج السحب، ولكنني سرعان ما غفلت عن ذلك حين سمعت أحدا ما يهمس في مكان ما قريب مني في الغرفة التي يفترض أنني الوحيد فيها، تلفتت إلى الخلف، فلم أجد أحدا، وتكون لدي انطباع للوهلة الأولى أنني لا زلت تحت تأثير فلم الحاسة السادسة.

 

(انتحار فينسنت غري)

يبدأ الفلم باحتفال متواضع يقيمه طبيب الأطفال النفسي مالكوم كراو( بروس ويليس) وزوجته آنا (أوليفيا ويليامز)  بمناسبة حصوله على شهادة تقدير من إحدى الجهاتالرسمية كطبيب نفسي للأطفال وتقدير لخدماته التي قدمها لمدينة فيلاديلفيا، وعندما يتوجه الاثنان إلى غرفة النوم يكتشفان أن النافذة مكسورة، وسرعان ما يعرفان السبب حين يطل من باب الحمام الملحق بغرفة النوم شاب عار إلا من ثيابه الداخلية، هو فينسنت غري الطفل الذكي الموهوب الذي كان ذات يوم أحد مرضى مالكوم والذي هو الآن مريض نفسي فقط لا غير،  وفي حالة من الاضطراب النفسي، يعاتب فينسنت  الطبيب مالكوم لأنه تخلى عنه ولم يقف إلى جانبه حين بدأ بمعالجته في وقت من الأوقات، فيتأثر مالكوم ويعده بالمساعدة، ولكن الشاب يستدير إلى الخلف، يخرج مسدسا ويطلق على مالكوم طلقة تصيبه في بطنه، ثم ينتحر بطلقة في الرأس.

(الطبيب مالكوم مع الطفل كول سير)

يعود الطبيب مالكوم إلى حالة فنسينت لدراستها من جديد وينغمس كليا في هذا الموضوع لدرجة أن علاقته بزوجته تفتر على ابعد حد، ثم ينقلنا الفلم بعد ذلك إلى الخريف الذي تلا هذه الحادثة ، حيث تم تكليف مالكوم بمتابعة حالة طفل هو (كول سير) ومعالجته من حالة عزلة ذاتية غير مفهومة وعدم رغبة بالكلام ومن حالات رعب تصيبه لا يعرف تفسيرا لها، ويتمكن مالكوم بصعوبة من اختراق عالم ذلك الطفل ويتمكن من نيل ثقته، وأثناء ذلك يكتشف مالكوم أن زوجته آنا تخرج مع رجل آخر، كما يكتشف أنها تتناول عقارا مضادا للاكتئاب.

(الطفل يرى مشهد إعدام ابرياء  زمن قديم  مبنى تحول إلى مبنى حكومي في وقتنا الراهن)

بعد سلسلة من الأحداث يبوح كول بما يؤرقه للطبيب مالكوم، فيخبره بأنه يرى الموتى، وعندما يسأله مالكوم : هل يحدث ذلك في الأحلام؟ يجيبه الطفل بأن ذلك يحدث في الواقع واليقظة وان الموتى يتجولون في كافة الأماكن ولكنهم لا يرون إلا ما يريدون رؤيته، وأنهم كذلك لا يعرفون أنهم موتى، وبناء على ذلك يشخص مالكوم حالة كول على أنها بارانويا وهلوسة بصرية ويعتبرها  أعراضا لانفصام مبكر للشخصية عند كول، الأمر الذي لا ينفع معه العلاج النفسي الذي يقدمه لمرضاه، ويقرر التفرغ لإصلاح علاقته مع زوجته ويصارح الطفل بأنه سيتوقف عن جلسات العلاج، الأمر الذي يصيب الطفل بالرعب.

وعندما يعود مالكوم إلى البيت يشغل آلة التسجيل التي كان يتركها في غرفة كول لتسجل كل ما يجري، ويفاجأ بأن آلة التسجيل التقطت أصواتا أخرى غير صوت كول هي عبارة عن غمغمات وهمسات غير واضحة المعالم، (أصوات شبيهة إلى حد كبير بالأصوات التي سمعتها عندما فتحت الانترنيت)، وعندها يتأكد مالكوم بأن ما يقوله الطفل صحيح حول مشاهداته للموتى، فيعود إليه لمساعدته.

وفي نفس الفترة تتوثق علاقة آنا زوجة مالكوم بالشاب الغريب الذي تخرج معه وتبدأ باستقباله  للمبيت في غرفة نومها، دون أن يقيما أي اعتبار لوجود مالكوم الذي يحاول الدخول أكثر مرة إلى غرفة النوم ولكنه يجدها موصدة عليهما.

في محاولة لعلاج الطفل من تلك الحالة، يسأل مالكوم كول عن سبب تردد الموتى إليه، وما الذي يريدونه منه، فيخبره الطفل بأنه لا يعلم ذلك فهو يهرب منهم دائما، عندها تخطر في بال مالكوم فكرة: ( وماذا لو أن هؤلاء الموتى كانوا يترددون طلبا للمساعدة؟)، ويقرران أن يقوم كول بالتحدث إليهم بدلا من أن يهرب منهم، وبالفعل تأتي فتاة تتقيا وعلى فمها زبد ويصاب كول بالرعب ولكنه يستقبلها ويتحدث معها، فتطلب منه الفتاة أن يذهب إلى بيتها في مدينة بعيدة عن فيلاديلفيا، ويخرج صندوقا أخضرا من مكان ما في غرفتها ويعطيه لوالدها، وهذا ما يفعله كول برفقة مالكوم، وعندما يقدم الصندوق لوالدها ، يفتح هذا الصندوق فيجد فيه شريط فيديو، يضعه في جهاز العرض لنكتشف أن الفتاة صورت عليه مقطعا من مسرح دمى منزلي مصغر، لوالدها، وإنها بعد أن انتهت من ذلك توجهت إلى فراشها ونسيت أن توقف الكاميرا التي تابعت التصوير لنرى بعد ذلك المشهد اللاحق الذي نكتشف فيه أن زوجة أبيها تقوم بدس السم لها في الطعام، وبهذا الشكل يعرف الجميع أن الفتاة لم تمت بمرض كما كان يعتقد، وإنما قامت زوجة والدها بتسميمها.

(الفتاة المسمومة تطلب مساعدة الطفل نيكول)

بعد ذلك تزور كول جدته الميتة وآخرين وتصبح علاقته معهم علاقة ودية، ويعود هو إلى حياته بشكل طبيعي وقد تخلص من أعراض المرض النفسي بعد أن حل هذه المشكلة، وفي آخر لقاء بين الطبيب مالكوم وكول ويكون كول قد عرف سابقا عن برود العلاقة بين مالكوم وزوجته، وعن باب غرفة النوم الموصد أمامه ورفضها الحديث معه، ينصحه كول بأن يحدثها وهي نائمة، وينصرفان كل في سبيله.

في طريق العودة تتوقف سيارة كول وأمه  لأن الطريق مغلق بسبب حادثة، وتتساءل أم كول يا هل ترى هل يوجد ضحايا؟ فيقول كول، هناك امرأة ماتت في الحادث، فتحاول الأم  مشاهدة شيء ما في الأمام عبر زجاج السيارة ولكن الحادثة في مكان بعيد، وعند ذلك يخبرها كول بأن المرأة التي ماتت في الحادث تقف قرب نافذة السيارة في الجهة التي يجلس فيها، ولكن أمه التي لا ترى شيئا تظن انه من جديد عاد  يعاني من اضطراب نفسي، غير أن أحداثا روتها له جدته الميتة يقوم بروايتها هو لأمه تجعل الأم تصدق ما يقوله.

مالكوم بدوره يعود إلى المنزل وتكون زوجته مستلقية فيبدأ معها الحديث ولكنه يكتشف أثناء حديثه أن في إصبع يدها خاتم زواج آخر غير الذي قدمه هو يوم عرسهما، ويبدأ باستيعاب الموضوع، إن ذلك الشاب الذي ينام مع زوجته، هو زوجها الجديد، وهما بكل بساطة لا يقيمان اعتبارا لوجوده لأنه غير موجود، لقد مات مالكوم بعد أن تلقى تلك الرصاصة في بطنه من مسدس ذلك الشاب المريض نفسيا، إذا فآنا تشعر بالاكتئاب وتتناول العقارات بسبب موته أمام عينيها و بسبب النقص الذي خلفه غيابه عنها، والذي لم يعوضه زوجها الجديد، وهو لم يكن إلا واحدا من الموتى الذين يترددون على كول.

ما يدهش في هذا الفلم  ليس موضوعه الخيالي، بل الحبكة المتقنة في صناعة السيناريو، الحبكة التي تشبه معادلة رياضية، لعبته المحبوكة بشكل متقن.

الهمسات التي ظننت أنني سمعتها بسبب وقوعي تحت تأثير أجواء فيلم الحاسة السادسة لم تتوقف، استمرت بزخم أكبر، لا يمكن أن أكون أنا الآخر أعاني من هلوسة بصرية فالهمسات واضحة بشكل جيد، وهي حوار غير واضح الكلمات بين أشخاص غرباء لا وجود لهم في هذه الغرفة، لا أخفي أنني شعرت بقشعريرة في هذه الساعة المتأخرة من الليل، خاصة عندما توقفت تلك الهمسات وانبعث بكاء امرأة، أمر يدعو للجنون حقا، ولكن ذلك لم يستمر طويلا، فسرعان ما ابتسمت، وزالت القشعريرة، كان ذلك البكاء ينبعث من سماعة الأذنين التي أستخدمها أثناء استماعي أو مشاهدتي لشيء ما على جهاز الكمبيوتر ليلا، لكي لا يزعج الصوت بقية سكان البيت النيام، أما الحوارات فلم تكن بين أشخاص غرباء، ,لقد كانت بين أشباح غويا، الفلم الذي شاهدته عبر موقع اليوتوب والذي ظلت نافذته في مشغل الأوبرا مفتوحة، وكلما استخدمت هذا المشغل ينطلق الفلم بشكل آلي، أغلقت تلك النافذة لأستريح، بعد أن جاءتني منها الريح، أما نتائج السحب فلم تحمل لي أي خبر سار، البطاقة التي سحبتها، لم تربح شيئا.


(الطفل كول) 

(شاهد مقطعا من الفلم في قسم "سينما الكورنيش – فني")