الكتاب - جسر المعرفــة نحـو عالــم الأحــلام

ترجمة: 

نراه كل يوم وفي كل مكان، لا تستوقفتا ألوان دفتيه أو تصميمها، أو أي من صفاته الخارجية- إنه كتاب وحسب في نظرنا. غير أن التقدم التقني الذي نعيشه اليوم، يهدد حياته بأن لا يعود لازماً لنا، ليصبح في لائحة الطلبات الثانوية في حياتنا، متنازلاً عن مكانته للحاسوب والألواح الحاسوبية. ومن أجل المحافظة على  أهمية الكتاب الورقي، لا يجتهد  الكتاب والمحررون فحسب، بل المصممون والمبدعون من الفنانين، الذين يحاولون إخراج الكتب بالشكل الأجمل والأكثر جاذبية، حتى بتنا نجد اليوم منها تحفاً، من الصعوبة بمكان المرور بها مرور الكرام، و تستحق أمكنة لائقة بها، وبات الناس يشترونها ويتهادونها ويجمعونها، ويزينون بها دورهم.

 

(مكتبة منزلية)

 

دأب الناس على مر العصور على استثارة الدهشة لدى الغير، أو على الأقل  التميّز وسط الآخرين. ففي القرون الوسطى حملوا الكتب المجلدة والمخيطة بالذهب، والمحلاة بفصوص من الأحجار الثمينة، وبعضهم راهن على الأحجام، فيما لجأ آخرون إلى إظهار الصور الرائعة الملونة التي يحتويها الكتاب.

  

(كتاب مرصع)

 

يعد البردي الذي وجد في أهرام فيبي في العام 1956، أقدم كتب المعمورة - هو الآن في المكتبة الوطنية في باريس - حيث أثبت العلماء  أن هذا البردي يعود إلى حوالي- السنة 3350 ق.م. (في مصر)، وعندما فكوا رموز النص في متنه، تبين أنه عبارة عن أفكار حول الأدب والأخلاق، ونصائح من الجيل الأقدم للشباب.

 

(كتاب الأموات الفصل110 حوالي 300-100 ق م)

أما أقدم المؤلَّفات المطبوعة على ورق، والمحفوظ حتى يومنا هذا، فوجدت في العام 1996 في كوريا الجنوبية، وهي عبارة عن لفافة تتضمن أقوالاً ومأثورات، عُثر عليها في أساس أحد الأبنية من نمط العمارة الصينية، ردها العلماء إلى ما قبل العام 704 م.

 

(لفافة كورية)

 

وأما أضخم الكتب قاطبة، فهو مجموعة التعاليم البوذية، الذي يسمونه كتاباً تجاوزاُ، لأن كل صفحة من صفحاته الـ 1460 مصنوعة من أفضل أصناف المرمر، وحروفه مطعمة برقائق الذهب. صُنع هذا الكتاب في أواسط القرن التاسع عشر  في مدينة "ماندالاي" في ميانما، بأمر من الملك ميندون. غير أن هذا الصرح الحضاري تضرر جداً، جراء التدخل البريطاني في البلاد، لكنه جرت المحافظة على ما بقي منه حتى يومنا هذا.

 

(صفحة من كتاب مجموعة التعاليم البوذية)

 

(أطلس)

 

 

يتصدر كتاب "مجموعة القوانين البحرية" الموجودة في متحف أمستردام (هولندا) الإصدارات المطبوعة، حيث حطم جميع الأرقام القياسية في أبعاده: ارتفاعه- قرابة المترين، وعرضه- متراً واحداً، وثخانته- 50 سم. أما أثقل الكتب، فيصل وزنه إلى 320 كغ- عبارة عن أطلس جغرافي، محفوظ في متحف لندن. أكبر المنسوخات يدوياً- هو "قانون غيغاس" (كتبه، حسب الأساطير، أحد الرهبان بمساعدة الشيطان خلال ليلة واحدة، في إحدى المدن التشيكية، في القرن الثالث عشر). غير أن مؤلفه الحقيقي والغاية منه مجهولان. يتألف الكتاب من 640 صفحة، طوله 92 سم وعرضه 50 سم وسماكته 22 سم، ووزنه 75 كغ. أثبتت التحاليل في العام 2008، التي أجريت على الخط  والرسومات والحبر والورق في هذا الكتاب، أنه مكتوب ومرسوم بيد شخص واحد، وأنه أنفق على ذلك قرابة 30 سنة.

 

(قانون غيغاس)

 

 

(الشيطان كما صور في كتاب قانون غيغاس)

 

 

  أما أصغر الكتب فصنع في المعهد التقني بمدينة ماساشوسيتس في العام 2001، وهو جزء من العهد الجديد، طوله 5 مم وعرضه 5 مم. ولا يبتعد عنه كثيراً الكتاب الذي صنعه الحرفي الروسي أناتولي كونينكو، الذي صنع كتيباً يتضمن قصة الكاتب أنطون تشيخوف "الحرباء"، بلغ طوله 9 مم وعرضه 9 مم. بيد أنه بوسعنا ترك هذه الأرقام القياسية وراء الظهور، ولفت الانتباه إلى الفيزيائيين الكنديين: لي يانغ وكارينا كاواناغ، اللذان تمكنا في مختبر تقنيات النانو، في جامعة سيمون فريزر، من صنع كتيب، أبعاده: 0,07 و 0,1 مم، يسرد مغامرات شاب، كُتب نصه على حبيبات دقيقة من الخزف، حبره- عبارة عن حزمة رقيقة للغاية من إيونات الغيليوم. ومن أجل قراءة  ما بهذا الكتيب لا بد من مجهر استطاعة تكبيره- 8000 مرة. أغرب الكتب موجودة لدى قبائل المايا (أمريكا اللاتينية) حيث جرى صنع هذه الكتب من ضفائر خيوط وعقد، تتدلى منها الخيوط، تشبه السوار المضفور من خيطان ملونه، يزين معاصم شابات وشباب اليوم.

 

(العهد الجديد  قرب دبوس)

 

 

 

(كتاب على قطعة من العملة)

 

 

 

(كتب بأحجام صغيرة)

 

 

تنوعت أشكال والمواد المصنوعة منها الكتب في عصرنا، وربما تجاوزت الأخيلة في أيامنا هذه: فإحدى دور النشر الأرجنتينية أصدرت كتاباً "الكتاب الذي لا ينتظر" يتميز بفترة صلاحية قدرها شهرين، ملفوف بغلاف بلاستيكي محكم، وعندما ينزع هذا الغلاف يشرع حبره الخاص بالتلاشي ويختفي نهائياً بمرور الشهرين. أي لا بد من قراءة هذا الكتاب قبل نفاذ مدة الصلاحية. أما في هولندا، وبطلب من مؤسسة حكومية "الإشهار الجماعي للثقافة الهولندية" جرى إصدار كتاب غير تقليدي، يتضمن سيراً لشخصيات تاريخية، كل جزء منه عبارة عن هيكل لرأس الشخصية المعروفة التي كرس لها هذا الجزء.      

 

 

وتعود فكرة إصدار الكتب على ورق التواليت للكاتب الألماني الساخر مايك بارتيل، حيث قدم في تشرين الأول من العام 2002 في فرانكفورت، قصصه مطبوعة على أوراق تواليت من ثلاث طبقات. وسرعان ما انطلقت دار نشر جديدة لهذا الغرض، انبرت تصدر الكتب المطبوعة على أوراق التوليت، وترفقها بشهادة جودة، تشير إلى أن الكتاب لا يضر البتة بالصحة البشرية، فأصدرت الكتب الأدبية وحتى التعليمية: "دراسة الإنجليزية دون مدرس" و "أسس الفلسفة"...   وكتيب غير عادي أيضاً- مساعد بخياط الأزرار، مخرج على شكل دائري، دفتيه عبارة عن زري معطف كبيرين. أما موسوعة الانترنت المعروفة "ويكيبيديا" فقد قرروا تخليدها بنسخة ورقية تتألف من /5000/ آلاف ورقة، تتضمن عشرت الآلاف من صفحاتها الأكثر زيارة في الانترنت- مارأيكم بسماكة هذا المجلد؟!

 

     

 

 

كانت كتب الطبخ مطلوبة دائماً، فقد عثر عليه المنقبون على أقدم وصفة - لتحضير حساء يرجع تاريخها إلى 6000 سنة ق.م. - أهم مكوناتها: لحم صغير فرس النهر. أما أقدم كتب الطهو، فيرجع تاريخه لسنة 62 م. يتضمن الأكلات التي كانت تقدم عادة في الحفلات وموائد الاستقبال، لدى الامبراطور الروماني- كلاوديوس.

 

(كتاب موائد الامبراطور كلاوديوس)

 

 

إحدى صيحات العصر- كتاب طهو- يمكن قراءته فقط، بعد وضعه في فرن حرارته 100 درجة لمدة 25 دقيقة، وقبل ذلك يجب لفه بشريحة من القصدير، حيث يظهر بعدها النص غير المرئي، المكتوب بحبر حساس يتبلور في الحرارة. أقدمت شركة "إيكيا (للمفروشات والحاجات المنزلية)" السويدية تماشياً مع العصر، على حجز كتاب وصفات للمأكولات "المنزلي – أفضل" يصف في صفحاته الـ 140 طرق تحضير 30 طبقاً من المأكولات السويدية الشعبية. أمّا ما يميز هذا الكتاب، أن الوصفات مكتوبة ليس بكلمات، بل على شكل إرشادات تصويرية، مثل: أدوات تجميع قطع المفروشات... إضافة إلى صورة للطبق بمكونات مفصولة عن بعضها، تظهر كل مكون على حدا وترتيب تحضيرها، ثم صورة لكا يجب أن تكون عليه الوجبة المحضرة.

             

 

 

كما أصدرت كتب للطهو، لا تتحدث عن طريقة التحضير وحسب، بل تكون هي أيضاً مادة للأكل، إذ تستطيع ربة المنزل أن تنزع إحدى صفحات الكتاب وتضعه في الآنية لطهوه.

 

 

بقي الكتاب على مر العصور تحفة تهدى بين الناس. فالكتب دقيقة الحجم والتي يجري حجزها لدى المهرة من الصناع، ما تزال تحتل مكانة مرموقة في قلوب المتهادين. وبات اليوم هذا الأمر أسهل لتطور العلوم وتكنولوجيا تصنيعها، إذ بالإمكان طلب كتاب لا تتعدى أبعاده 1 سم عرضاً و1,2 سم طولاً. وظهرت مفكرات يومية توضع مكان الخاتم، أو في المعصم مكان السوار. كذلك، راح المصنعون يعيدون زمن الصناديق الصغيرة، ولكن على شكل كتاب. كما تفتق عقل العطارين عن إبداع عطور تبث رائحة الكتب المطبوعة حديثاً، مخرجة على شكل كتاب أيضاً وفيها مكان لوضع زجاجة عطور.

 

 

 

 

كما ابتدع بعضهم كتاباً- منوماً، لا يمكن قراءته لآخره، سطوره مغبشة وتتلوى صعوداً وهبوطاً، تبعث النعاس في أعين قارئها. وابتدع آخرون كتباً للمدخنين من أوراق التبغـ وهناك الكتاب- المصباح والثريا... حوّل كثر من الفنانين صناعة الكتاب إلى إبداع خلاق، يتفتق عن تحف  تدهش البشرية. فمثلاً: الكتب المنحوتة للأمريكي برايان ديتمر، الذي يستخدم الكتب القديمة، ويقوم على حفرها وقصقصتها لتغدو تمثالاً فنياً رائعاً. كما فعل أيضاً مارتين فورس الذي أصدر كتباً مصورة ، نحت صورها على قطع من الكتب القديمة:

 

 

 

 

 

أما حكاية الثلجية، فقد نحتتها الفنانة اليابانية يوسوكي أونو في كتاب، يقلب القارئ صفحاته دائرياً لتتبدل الصفحات مع مجسمات لوقائع الحكاية.

 

 

 

كما وعمدت دور النشر إلى تطبيق التكنولوجيا الحديثة في إصدار الكتب، مستخدمة تكنولوجيا "D3"- التصوير ذو الأبعاد الثلاثية، لتبدو الصور وكأن الحياة بعثت في أبطال القصة أو أمكنتها.

 

  إلا أن الكثيرين باتوا يتخلون عن الكتاب الورقي ويتجهون نحو الكتاب الالكتروني، الذي يكاد يصبح سمة العصر. لقد  كان أكثر من حلم وأبعد من الخيال، أن يتصور المرء الاستحواذ على سائر كتب العالم في أي لحظة، لكنه غدا أمراً واقعاً مع الكتاب الالكتروني، الذي يتطور سريعاً ليبدو أقرب فأقرب من الكتاب الورقي.

 

 

   

(الحفاظ على الكتب من السرقة في مكتبات ايام زمان)

 




 

(وفي مخيلة الفنانين للكتاب ايضا مكان)

مجلة "بلانيتا" 11/2012