من تاريخ وطرائف اللغة

ترجمة: 

عن مجلة "بلانيتا" العدد: /85- 2012/ بتصرف.

يتفق غالبية الباحثين على رأي يشير إلى أن نشأة اللغات ترجع لما يقارب نصف مليون سنة خلت. غير أن أحداً إلى الآن لم ينبش جذوره، ولم يعرف كيف حدث هذا بالضبط؟  أما الكتابة، فأمرها أسهل بقليل، حيث تركت لنا الحضارات المندثرة ألواحاً طينية تشهد على مولدها.

عندما احتل الاسكندر المقدوني في العام 313 ق.م. مصر، راح ينشر فيها الثقافة، ومعها الكتابة الهيلينية. لكن الطريف في الأمر، أن الإغريق استعاروا في البداية من المصريين عبر الفينيقيين نظام الكتابة، وعالجوه وأضافوا إليه بعض الرموز للأصوات الصائتة، ثم بنى المصريون على ذلك الأبجدية القبطية، واستخدمت هذه الأبجدية كوسيط في الترجمة بين اليونانية والمصرية. غير أن لغة الأقباط هذه لم تصمد أمام صراعها الذي امتد لمئات السنين مع المسلمين، والمسيحيين الذين عدّوهم من الكفرة. حاول رجال الدين الأقباط في القرن التاسع عشر إعادة تلك اللغة، بيد أن اللغة العربية أزاحتها في القرن العشرين.

على أي حال، إن موت اللغات ليس بالأمر النادر، إذ يفترض العلماء أنه بعد قرن ستنقرض الكثير من اللهجات المحلية. ذلك أنه لكي تبقى اللغة (اللهجة) حية، لا بد أن يتكلم بها كحد أدنى- /100/ ألف شخص. فهناك مثلاً لغة "آلاوا" في استراليا يتكلم بها /20/ فرداً فقط، ويبلغ عدد المتحدثين بلغة "تشينوك" /12/ شخصاً وحسب، أما "إلمولو" فيحكي بها /8/ أشخاص فقط. وفي العام 1996 مات في الولايات المتحدة الأمريكية آخر شخص، والملقب بـ "بالغيمة الحمراء المرعدة" كان يعرف لغة الهنود "كاتويبا". للأسف، فغالباً ما تموت اللغات بغفلة عن البشرية. وفي هذا المقام حالف الحظ اللاتينية، حيث أطال بعمرها الأطباء والمحامون والكاثوليك. ولكن أي لغة تلك، التي لا يخطب بها رؤساء الدول، ولا تنم بها الصديقات فيما بينهن، ولا تنشر بها الكتب والجرائد. وهكذا تغيب لغات دون أثر، وتولد أخرى فجأة عند ملتقى الحضارات. ظهرت في عهود الاستعمار لهجات هجينة "بيدجين" (اشتركت فيها غالباً ثلاث لغات أو أكثر، وكان لا يتجاوز عدد مفرداته الـ /1500/ مفردة )، كان الأطفال المولودون في مدن المرافئ، أو القريبة من المراكز التجارية يستوعبون هذه اللغات منذ شهورهم الأولى، فغدت لهم اللغة الأم. أطلق اللغويون على هذه اللغات اسم "كريولسكي"، فيما حظيت هذه اللغات في بعض الدول، التي نالت استقلالها خلال النصف الثاني من القرن العشرين، على صفة الرسمية. تحاول معظم الشعوب والأمم فرض لغتها في الساحة الدولية، بينما يثير هذا حفيظة الآخرين. فجاءت أول محاولة لاختراع لغة أممية في القرن الثاني ق. م. من  قبل الطبيب "جالين"، وبلغت هذه المحاولات عبر التاريخ قرابة الـ /1000/ محاولة، استخدم منها عملياً عدد قليل. استخدمت أولى اللغات المصطنعة في العام 1879، أوجدها القديس الكاثوليكي الألماني "يوغان مارتين شليير". وكانت هذه اللغة ركيكة ومعقدة القواعد، فخرجت من التداول نهائياً في منتصف القرن الفائت. أما حظ لغة "الاسبيرانتو" التي ابتكرها طبيب العيون البولوني "لازار زامينغوف" في العام 1887، فكان أوفر، حيث صدر بهذه اللغة كتب تعليمية، وحتى أدبية، وحوالى /40/ صحيفة ومجلة، وتبث بها إذاعة. كما تُعدّ "اسبيرانتو" إلى جانب الفرنسية، اللغة الرسمية لجمعية البريد الدولية. بينما أصبحت"انترلينغوا"-  اللغة العالمية المساعدة، والمخصصة للتواصل بين الشعوب، والتي ابتكرتها مجموعة كبيرة من العلماء الأوروبيين والأمريكيين، أخذت مفرداتها من اللاتينية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والروسية. لكن وعلى الرغم من شمولية هذه اللغة مازال المتكلمون بها قلائل.

يروق لبعضهم الإيطالية ذات النغمة الموسيقية، ولآخرين "مواء" الفيتنامية، ولزمرة أخرى اللغة الإستونية "المتراخية"، لكن وحسب التجارب، فإن شيوع اللغة لايرتبط بجمالها أو سهولة تعلمها البتة. فعلى مدى قرون، اكتسبت صفة "اللغة العالمية" الإنجليزية والإسبانية، والعربية والروسية والفرنسية والألمانية والبرتغالية، ومن نافل القول: إن المستوطين والمستعمرين قد لعبوا دوراً كبيراً في انتشار هذه اللغة أو تلك.

- يقول اللغويون: إن القديسين والأطباء يتمتعون بأوسع قاموس للمفردات، إذ يستخدمون وسطياً- 15 ألف كلمة، أما العمال المهرة فيقتصر قاموسهم على 5- 7 آلاف كلمة، والفلاحون على 1500 كلمة فقط. 

- بينما يستخدم الصينيون في كتابتهم - /40/ ألف رسمة (حرف)، فكلمة "السلامة، أو التوفيق" يصورها رسم لامرأة تحت سقف، وأما صورة امرأتين تحت سقف واحد فتعني "الصعوبة، والسوء".

- وتستخدم منظمة الأمم المتحدة ست لغات رسمية، هي: الإنجليزية والفرنسية والعربية والصينية والروسية والإسبانية.

- أما التنويري الأمريكي ورجل الدولة، وأحد واضعي ميثاق الاستقلال الأمريكي في العام 1776- بنيامين فرنكلين- فقد حصر مئتي مرادف لكلمة "سكران" بالإنجليزية، بينما يورد القاموس الرسمي عشرين مرادفاً لها فقط.

- أكثر الكلمات استيعاباً لمعان في العالم، هي كلمة "ماميهلابيناتانا" التي تعني ترجمتها عن اللهجة الإسبانية، التي يتحدثون بها في جنوب الأرجنتين وفي تشيلي: "ينظر أحدهما إلى الآخر على أمل أن يوافق أحدهما على القيام بما يرغب به الطرفان، لكنهما يرفضان القيام به".