ماري وريمي

تأليف: 

"لا أعتقد أن القدر يصيب الرجال إذا فعلوا .ولكني أعتقد أنه يصيبهم إذا لم يفعلوا " شيشرون      لم يشكل سماع خبر مقتل الصحافية الأمريكية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي اوشليك في حي بابا عمرو في حمص مفاجئة لي ، فذلك الحي الذي تتواجه في أزقته الحياة مع الموت منذ عدة اشهر كان لا بد أن يترك بصمته على الجسم الإعلامي  ، كيف لا ، وقد تركت كل عواصم ومدن وقرى وأحياء العرب بصماتها على جسمنا الإعلامي على امتداد نصف قرن من الزمن ، فما كان على هذا الحي المتواضع إلا وان يلتحق بركب الكثير من إخوانه الذين تعرضوا ويتعرضون لاغتصاب السلاح  كل يوم وكل ساعة على امتداد الخارطة العربية وعبر تاريخ العرب كل العرب . كلما اغتصب حي تنادى له حي آخر وكلما اغتصبت زنقة خرجت من محنتها حاملا بزنقة أخرى لتعلن ولادتها بعد اشهر تسعة ، ترضعها قليلا من الحضارة مع وجبات سريعة دسمة من الشعارات الطنانة والرنانة ، تسهر على أمنها وسلامتها ، توفر لها ما أمكن من التعليم الابتدائي في مدرسة وطنية لم يحصل أساتذتها سوى على شهادات فخرية ، تربيها على مبادئ الحلال والحرام إلى أن تبلغ الحيض فتعلن اغتصابها وتتكرر القصة كل يوم وكل ساعة على امتداد الخارطة العربية وعبر تاريخ العرب كل العرب .   كامرأة أمريكية ، انكليزية الجذور باردة الدم لا تعبث بحاضرها ولا مستقبلها لا تفقه معنى الحياة ومتعتها ، قررت ماري الرحيل ، وكجنتلمان فرنسي يعشق التملق الذكوري أبى ريمي إلا أن يفتح  الباب لماري التي تكبره سنا وخبرة ويرافقها إلى نهاية الطريق مع انه كان يدرك أن صورته الأخيرة لم يلتقطها بعد ، فصورنا وكلماتنا الحقيقية أيها الزملاء لا تنشر إلا بعد رحيلنا ، لا تنشر إلا عندما نمل من نقل الصورة والخبر ، لا تنشر صورنا وكلماتنا الأخيرة إلا عندما نصبح نحن الصورة والخبر ومادة للحدث . لا اكتب هذه الكلمات تضامنا مع القتيلين فهما قد رحلا ولا يجدي التضامن معهما نفعا الآن ، ولا الاستنكار  والبيانات الرسمية وغير الرسمية، ولا  الإدانات  ولا كل عبارات الأسى والأسف التي تصدر من هنا وهناك . لا اكتب هذه الكلمات على اعتبار أن ماري وريمي زميلا رسالة لم أتعرف عليهما يوما ما ، ولولا مقتلهما ربما ما سمعت باسميهما أبدا.  بل اكتب هذه الكلمات رغبة مني في أن يكتب احدهم كلمة ما يوم تنشر صورتي الأخيرة لأن سر وجودنا يا زملائي هو مجرد لقطة ، نحيا ونشقى ، نغامر ونقامر دونما نجدها ، وما متعة مهنتنا سوى أننا نبحث في العدم عن لقطة نادرة ونحن ندرك تماما أننا لن نجدها .....