رفيقتي السوداء

تأليف: 

لا اعرف أسباب الرعب الذي تسببه الكاميرا لأجهزة الأمن العربية، لقد زرت غالبية الدول العربية بحكم عملي كمراسل متجول، وما كان يلفت نظري هو أن الصورة واحدة في المطارات كافة، ولا تتغير سوى اللهجة العربية ومقاس صورة الحاكم، الصورة نفسها انتظار لساعات وتفتيش دقيق وسؤال وجواب واستفسار ومحاولة اللعب على الألفاظ والتعابير، ولكن بالطبع على الطريقة الأمنية العربية. في الشارع أيضاً المشهد نفسه، ترخيص العمل ، المرافقة الأمنية ، هنا يمنع التصوير لأسباب تضر بالأمن القومي وهناك أيضا وفي ذلك الشارع وقرب تلك الساحة وهنا وهناك وعند مدخل المراحيض العامة في الشارع العام بالقرب من مبنى الأمن العام أيضاً يمنع التصوير. صدقا لم استطع أن افهم يوما ما يسببه تصوير وزارة ما من وزارات العرب المتعددة الأسماء  من خلل للأمن القومي، وما معنى منع التصوير في الأسواق الشعبية وبالقرب من المقار الرسمية والتصوير في المطار أو بالقرب منه ، لم استطع أن افهم معنى منع التصوير في شارع تقيم المعارضة فيه مهرجانا خجولا فيما هو مسموح في مهرجان تأييد في شارع آخر، لم افهم لماذا نحمل على الأكف لتصوير هذا المهرجان فيما يطلق الرصاص للترهيب عند اقترابنا من ذلك المهرجان الخجول  لم افهم يوما لماذا هذا العداء والكراهية بين رجل الأمن العربي والكاميرا وربما لن افهم ذلك أبدا. (بعد ساعات مضنية ومملة من الانتظار في ارض المطار وبعد ساعات طويلة من السفر جاءنا الشاويش وقال أهلا بكم ، انتم مرحب بكم في بلدنا ولكن لا بد من مرافقة احد عناصر الأمن لكم فقط للحفاظ على سلامتكم لان أمنكم مسؤوليتنا ) الشاويش لم يعتذر عن معاناة ساعات الانتظار الطويلة ولم يعتذر عن القصائد المملة والمقرفة التي استلهمتها من الصور المتعددة الأحجام والألوان  المعلقة في كل زوايا المطار حتى بلغ الأمر بي أن أتمنى الانتظار عدة ساعات أخرى لأجمع قصائدي ومواهبي الشعرية الخجولة وانظم معلقة ما، كان يحلم بها الأعشى ، بل اكتفى الشاويش بابتسامة كاذبة مصطنعة أظهرت مدى خبثه، فأجبته بابتسامة أظهرت مدى غبائي أمام الفحل الأمني المتحكم بمصير البشر والحجر على ارض المطار. غادرنا مع المؤتمن على امننا إلى الفندق وطوال الطريق والمؤتمن على امننا يراقب تحركات الكاميرا بين يدي المصور، ينظر يمينا وشمالا وكأنه ينتظر أن تعترف تلك الآلة  السوداء بانتمائها لحركة إرهابية أو حزب محظور أو حتى لجماعة أبو سياف الفليبينية او جماعة دوكو حرام النيجيرية أو حتى لتنظيم شيوعي كان قد حل  نفسه في تسعينيات القرن الماضي، لكن رفيقتي السوداء بقيت على حالها كالمومياء  صامتة لا بل تهيأ لي أنها كانت تجد متعة في ملامسة المصور لبعض أطرافها النافرة كمتعة الجنس التي نادرا ما بت اشعر بها وهذا ما أثار الحسد في نفسي ، كنت أراقبها بحسد وارى كيف أنها لا تتعجل الاعتراف بنواياها السيئة    المفاجأة كانت عند وصولنا الفندق، رفيقتي السوداء لم تعترف بنواياها بل هو من اعترف . المؤتمن على امننا اعترف بحبه لتلك الآلة السوداء العابثة بأمن الوطن  وأصر أن يسكن معنا في الفندق ليبقى بالقرب منها، بالطبع أنا أدرك جيدا معنى الحب من طرف واحد فأجبته مجددا بابتسامة أظهرت مدى غبائي ولكن سرعان ما تحولت ابتسامتي إلى ذهول عندما أفصح لي بجملة رقيقة تعبر عن مشاعره الجياشة وذلك بواجب أن نسدد كلفة إقامته في الفندق مع حبيبة قلبه السوداء ، قلت له هذا يعني أن أمننا على حسابنا ونظرا لكلفة الفندق العالية جدا يعني أيضاً أن امننا غال عليكم جداً، ولكن أيها العاشق أنا أدرك جيدا وعلى ثقة عالية أن حياتي أبخس بكثير من تلك الفاتورة التي سأسددها بعد أسابيع  تنعم خلالها أنت بدفء المكوث بالقرب من حبيبة قلبك السوداء، كما وإنني اعتقد أن هذه العشيقة السوداء لا تستأهل تلك الكلفة فهي مجرد غانية سوداء لا مشاعر ولا أحاسيس لديها بعد أن ضاجعها الكثيرون من مصوري ومراسلي مؤسستنا في أماكن عدة وظروف متعددة وبأشكال مألوفة وغير مؤلفة لذلك سأقدم إليك مبلغ 200 دولار كمساهمة لتشتري باقة ورود لزوجتك وبعض الخضار واللحم والفاكهة والحبوب والخبز لأطفالك واترك امني وحمايتي على الله فهو لم يخذلني إلى الآن بالرغم من سنوات عمري الطويلة التي قضيتها خارج نطاق الأمن العربي ، صمت قليلا ثم بدا التفاوض لرفع المساهمة فشعرت وكأنني بند غير قابل للحياة من بنود كامب ديفيد أو أوسلو  شعرت وكأنني كلمة مغتصبة من نص مبادرة بيروت العربية ومن شدة غبائي واحتقاري لنفسي واستخفافي بأمني رفعت المساهمة إلى 300 دولار  فوافق العاشق المتيم ومد يده لمصافحتي، مددت يدي بكل فخر واعتزاز مصافحا وافترقنا لكن تلك المصافحة زرعت في نفسي مزيدا من الحقد والكراهية لكل أجهزة الأمن العربية وغير العربية، وكم تمنيت حينها لو تدرك أجهزة الأمن العربية وغير العربية أن رفيقة دربي السوداء ما هي إلا أداة لنقل الجزء الصغير الواضح في أسفل الصورة وان الصورة الحقيقية التي تخل بالأمن العربي والقومي والعالمي لا تمر عبر عدسة رفيقتي السوداء بل عبر الأقمار الصناعية وأجهزة الهواتف والإنترنت أيها الأغبياء،  وعبر أجهزة التجسس التي تعج بها أجهزتكم الأمنية نفسها أيها الأغبياء،  وما أنا ورفيقة دربي سوى طفلين صغيرين نحاول أن نجد مكانا صغيرا خارج خارطة الأمن فهل يبدو ذلك مستحيلا في بلادي العربية ؟؟؟