محاكمة ابليس

تأليف: 

بدأ الربيع ينحني أمام خليفته الخريف.
شعور غريب، احدهم يودع أيامه الأخيرة والثاني يشعر بنشوة الظهور والانتشار، هذه هي الدنيا كما يقولون.
مع تغير الطقس يجهز الناس العاديون أنفسهم ويحضرون متطلبات القادم من الزمن ككل سنة.
الجميع اليوم كل في عمله وقهوته وإلى ما هنالك.
إلا أن ما حدث شيء غيًر كل القوانين، فاعتبارا من يوم غد سيتوقف الزمان وسينتقل الجميع إلى دار القيامة
لقد ملت الآلهة من لعبة الدنيا.
فبحسب المعلومات المسربة انه لم يعد من المستطاع السيطرة على ما يحدث، وفقدان السيطرة يعني انقسام الكون وكل من استطاع سيبني مملكته حسب قوانينه، وهذا يعني تغيير في قوانين اللعبة الحياتية
 .
سمعت احدهم يتكلم متذمرا بأن ما يحدث اليوم لا يمكن تصوره، إذ تجاوز كل ما يتخيله العقل، لذلك قررت السماء تقديم موعد القيامة خوفا من المستقبل اللا محسوب، لأنه وفق الدراسات السماوية الموضوعة للحياة الدنيوية، طرحت احتمالات معينة مع نسب إضافية احتياطية ممكن أن تكون خارجة عن السيطرة، وللأسف فإن الحسابات أظهرت خطا الدراسات وبالتالي لن نعرف ما هو القادم, المشكلة ليست بكل هذا وذاك.
على الفور بدأت الأجهزة المختصة بالبحث عن المتهم الأول دوما لإلقاء القبض عليه، إنه بالطبع إبليس.
المشكلة بأنه لم نعد نعرف أيهم إبليس كي نلصق بظهره كل أوساخ الدنيا ونريح الكون منه، هذا ما قاله ممثل الأجهزة.
يُحبذ أن يلقى القبض على كل من ابتسم لإبليس في الحياة الدنيا لكي يكون العدد مقبول أمام الرأي العام في الآخرة.
في الآخرة يوجد رأي عام أيضا، هذا ما اخبرني به سعيد، على فكرة سعيد هو فقط بالاسم، هذا الكلام سمعته أيضا أمس من احد الموثوقين المقربين من الآخرة، ففي لحظات كهذه تدب الفوضى خصوصا في البداية.
الناس بدأت تجهز أمورها ليوم الآخرة، وأنا أتجول في أحد الشوارع وبجانب أحد المقاهي رأيت بعضا من محترفي طاولة الزهر ذات التراث العريق في مشرقنا المنتهي الملتهب، وهم يودعون آخر ( مرس ) في الحياة الدنيا، توقفت متشوقا نهاية ( البرتية) لأن الإدمان في طاولة الزهر له لذته التي لا يعرفها إلا من جَرب، هذا الرأي سمعته من سعيد أيضا.
رأيت الخاسر يعصر وجهه دما يكاد ينفجر إذ سيترك الحياة الدنيا خاسر كذا( برتية )، أما المنتصر فكان منظره كالطاووس منتفخا ينظر إلى منافسه هازئا موزعا نظراته على كل من حوله
مؤكدا رجولته الطاولية.
 
انسحبت قبل أن تصيبني طرطوشة مسبة من الخاسر كوني شاهد على خسارته في الدنيا وقد اضطر
أن أكون شاهدا في الآخرة وهذا ما سيحرجه.
وصلت إلى طريق فيها ساحتين وطريق ضيقة لا تتسع إلا لعربة أطفال تقريبا، الساحة اليمنى ملينة بأشخاص قلما نراهم في الطرقات العادية، يَعبق منها كل أنواع العطور
 التي لم تنتج بعد، وهي محجوزة إلى يوم غد.
نظرت إلى الساحة اليسرى وهي أيضا مليئة بمن هب ودب من كل بقاع الدنيا، حاولت أن استفسر عما يحدث لكني لم اسمع جوابا لان المجتمعين لا يسمعون أسئلة، والحراس في الساحتين هم حراس الدنيا والآخرة ويمنع عليهم الكلام مع الناس العاديين.
حاولت الدخول لكن تبين أنني لست مدعوا وفي الساحة الأخرى أيضا هناك لائحة بالأسماء.
حاولت العودة إلى لاعبي الطاولة المتنافسين، وإذا بهم مصطفين خلفي في طابور لا نعرف اتجاهه،
أصبحنا جميعا في طريق ذات اتجاه واحد.
لفت نظري أن احد لاعبي الطاولة ( الخاسر طبعا ) يحمل تحت إبطه طاولة الزهر، سيحاول على ما يبدو إدخالها معه إلى يوم الآخرة آملا أن يسترد سمعته وحفاظا على شرف اللعبة، ( ما بيحطها واطية )

بدأت الطريق تزداد ازدحاما وبدأ الزمن يجري مسرعا، سمعت أحاديث كثيرة من المتجمعين الباحثين عن ممرٍ يتابعون به طريقهم إلى الآخرة.
احدهم مشكلته أنه لا يستطيع النوم دون بيجامة، وآخر يسأل هل يوجد حمص وفلافل في الآخرة؟ لأنه احتمال أيضا ما تضبط بالآخرة فلازم يدبر حاله بشي على قد الحال.
واحدهم تمنى ألا يكون هناك فلافل لأنه مل  قلبه من الفلافل والحمص في الحياة الدنيا، فيرد عليه خبير في شؤون الآخرة ويقول بلهجة الواثق المجرب : بأن الأمور هناك كلها محسوبة ولن يحتاج إلى شيء.
لكن صاحبنا ( صاحب البيجامة ) مُصر أن يصل إلى بيته لأخذ بيجامته قبل أن يتابع طريقه إلى الآخرة.
همس احدهم في أذني:إنه بحاجة إلى البيجامة ، يبدو أن رجولته ضعيفة ليستر بها عورته أمام جمهور الآخرة.
أنا لن أحدثكم كثيرا عن القصص التي سمعتها لأنها فعلا كثيرة ومشوقة، سيأتي يوم أحدثكم فيه بما سمعت في تلك الزحمة.
وصل الزحام ذروته والمخرج الوحيد هو تلك الطريق الضيقة فانهمل الجميع راكضين، وفي نهاية الطريق وصلنا إلى مكان, الحياة فيه شبه ميتة, وفيه بعض الأشخاص ممن تخلى عنهم الزمان ووضعهم في تلك البقعة من ارض لا يريدها احد، وهنا المفاجأة، إذ أن إبليس كان يجلس مع هؤلاء، عرفناه من هيبته واحترام مجالسيه له

شكله لم يكن كما وصفه لنا ( الواثقون المجربون )، بل كان عاديا،  ولولا التسمية لما ميزناه عن بقية الموجودين
.
لسوء الحظ سوف نذهب إلى الآخرة بصحبته وقد نُقيم بأننا من أتباعه.
لكنني في تلك اللحظة أمعنت بالمكان ونظرت إلى وجوه الموجودين فلم أر شيئا غير المعتاد، كان إبليس يحضر للدفاع عن نفسه وبيده ورقة صغيرة، كانت على ما يبدو من بقايا كيس خضرة خاكية اللون،
استرقت النظر إلى تلك الورقة وقرأت ما كتب عليها : ذنبي الوحيد أنني رفضت الصلاة لأشخاص لم اقتنع بهم وأنكم وضعتم برنامجا للدنيا وسلمتموها لأشخاص عرفتُ مسبقا أنهم لا يستحقونها، إنني اعتز بنفسي وأنا تحت التصرف يا مولاي.
انتهت المدافعة.
بدأ التعب يلقي بظلاله على الحضور، وعم الصمت في تجمعنا، وإذ بضوء يأتي من السماء يهبط على الأرض بهدوء، انه على ما يبدو احد المقربين والمرسلين من السماء، وبالصدفة وقع نظري على ( الواثق المجرب ذو اللحية الطويلة ) فرأيت علامات الاشمئزاز والخوف
 وعدم الرضا على زيارة ضيف السماء.
الوقت ليس للتحليل , فلنترك الناس بحالها.
التفتتْ العيون إلى القادم من أعلى , تنتظر ما سيقول ضيف السماء
وبصوت سماوي ملائكي قال للحضور :
هناك قرار يُحضر، للغد يتم به تبرئة إبليس والاعتذار منه، لان تقديراتنا عن بني البشر لم تكن صائبة أما  إبليس فكان إحساسه بذلك دقيق، ورفضه أوامر السماء لم يكن بسوء نية ولن يعاقب عليه.
فعمت الفرحة والصيحات في دار إبليس وساحته، واعُتبرت المحكمة شبه منتهية.
 
حين سمعت الخبر لم استمع إلى بقية الرسالة، وانصرفت باحثا في الجمع عن سعيد.


12-11-2006