أنت منذ اليوم لي

تأليف: 

كان ياما كان في يوم من حزيران عام 1967، كان هناك مجموعات من سكان الجولان تجتاز الحرش باتجاه الشرق، بعضهم يجر حمارا عليه فراشا ولحافا، وبعضهم خرج بلباسه الذي عليه، العبارة التي كان الكثيرين يستخدمونها للدلالة على سوء الحال في ذلك الوقت، وكنت أنا تلميذ الصف الثاني الذي نجح إلى الصف الثالث، من بين أولئك الذين خرجوا بلباسهم الذي عليهم، وفي الطريق كان ثمة حمار مقطوع الرأس قيل إن قذيفة طائشة لدبابة، أصابته في رقبته وتركته بلا رأس، وكانت فردة حذاء هنا، وكعب حذاء نسائي هناك، وحقيبة جلدية بنية اللون بعض زواياها مهترئة تخلى عنها أصحابها، وعلى حجر صوان أبيض بقعة من الدم اليابس من غير المعروف ممن  ومتى نزفت، وكان خوف وقلق، امرأة تسأل عن طفلها ورجل يصرخ على أمه العجوز التي يعيق تثاقلها حركتهم، ورجل يسير  بصمت والدموع تنهمر من عينيه مدرارة، كان هناك الكثير الكثير مما يبعث على الشجن، وبين كل هؤلاء جميعا كان هناك رجل يسير قربنا يحمل في يده راديو ترانزستور يعمل بدون انقطاع، وكان مع كل بلاغ يطلقه الناطق العسكري من علبته هذه، عن انتصاراتنا على خطوط الجبهة يطلب الصمت من الجميع قائلا:

-         ولا صوت.. ولا صوت.. الناطق العسكري يتحدث

كان ذلك الرجل على ما يبدو، لا يزال يأمل بمعجزة تقلب الأمور رأسا على عقب، ورغم أننا كنا هائمين على وجوهنا باتجاه الشرق، فإن هذا الرجل كان يريد أن يصدق كل ما كان يسمعه من أصوات تخرج من علبته الترانزستور، فكان مع كل خرطة من خرطات الناطق العسكري يصيح:

-         الله أكبر.. الله أكبر.

ومن بين ما كان ينبعث من ذلك الجهاز أغنية كانت تنطلق بعد كل تصريح للناطق العسكري تقريبا، وتقول كلماتها:

( أنت منذ اليوم لي يا وطني)، ولا داعي للقول طبعا أنني منذ ذلك اليوم بالتحديد لم أر وطني، ومنذ ذلك اليوم أيضا أكره الأغاني الوطنية عندما تنطلق من المذياع وأشعر فيها نذير شؤم.