عليه اللعنة، كائنا من كان

تأليف: 

قبل قليل، في الغابة، التي تصاعد البخار من ترابها الذي تسرب الدفء إليه بعد أن انبثقت شمس الصباح، فشكل مستنقعات من الضباب، كنت أسير فوقها كما لو أنني أسير فوق الغيوم، ما جعلني أتخيل أنني أسير في رقعة من الجنة، ويبدو أن خيالي لم يكن منفصلا عن الواقع كثيرا، حيث أن الجنة على ما يبدو كانت في انتظاري، وربما الجحيم، لا أدري، فقد داهمتني نوبة من الخناق جعلت الأكسجين ينحبس عن عروقي، وهذا أمر اعتدته ولا أخشاه، ما دامت تلك العلبة موجودة في جيبي، استليت العلبة من هناك في حركة شبه آلية، وأخرجت منها مظروفا كانت في داخله آخر حبة من تلك التي أضعها تحت لساني عادة عندما تداهمني النوبة، يجب أن اشتري أكثر من علبة، راودتني هذه الفكرة وأنا افقأ المظروف لأخرج منه الحبة، ولكن الحبة وكأنما ليس بها رغبة أن ينتهي مصيرها تحت لساني قفزت من قبرها في المظروف كالمارد الذي تحرر من مصباح علاء الدين، طارت إلى الأعلى قليلا ثم سقطت على الأرض، بحثت عنها، وسرعان ما وجدتها، وليتني لم أجدها، لقد كانت تستقر في وسط كتلة  طرية لا أعرف من فعلها، أهو كلب؟ أم دب؟ أم ذئب؟ أم صياد؟ عليه اللعنة كائنا من كان، ما الذي سأفعله الآن؟.. أيعقل أن أنتزع تلك الحبة المتمردة وأضعها تحت لساني بعد أن تلطخت بتلك الكتلة التي فعلها عليه اللعنة كائنا من كان؟  وقفت فوقها محدقا بها تتصارع في رأسي أفكار شتى مقلبا احتمالات مختلفة أحلاها لا أعرف طعمه، أمامي خياران لا ثالث لهما، صراع البقاء جعلني أجلس القرفصاء في أول تنازل مني، حدقت مجددا بتلك الحبة الخائنة، اعتملت في نفسي نفس الأفكار وتقلبت فيه نفس الاحتمالات السابقة، كلام فارغ، أمامي خياران فقط لا ثالث لهما، صراع البقاء جعلني أحرك يدي باتجاه الحبة وأجهز إصبعين محاولا حصر مساحة التلوث بهما، يدي تتوقف  على مسافة قريبة من الحبة، تحاول العثور على النتوء الذي لا يزال نظيفا في أعلاها، على أمل عدم التماس مع تلك الكتلة التي فعلها عليه اللعنة كائنا من كان، وللحظة كادت أصابعي تلامس تلك الحبة، ولكن قوة ما، وبدون مقدمات جعلتني أهب واقفا وأصرخ (الموت ولا المذلة).

اتكأت على جذع شجرة محاولا اغتصاب الأكسجين، وكانت عيناي تحدقان بنظرة شامتة بالحبة التي استقرت في تلك الكتلة :

-تستحقين هذا المصير أيتها التافهة، فلتكن تلك الكتلة التي فعلها عليه اللعنة كائنا من كان، قبرك إلى الأبد.