أسماء أنطون تشيخوف المستعارة

 

pseudos onyma الاسم المستعار أو

وتعني بالإغريقية:" حامل الاسم المزيف"...


توقيع تشيخوف

استعان كتاب كثيرون بالأسماء المستعارة لأسباب مختلفة. وكان تشيخوف أكثر الكتاب حذلقة في  خلق تلك الأسماء. ويقول تشيخوف بهذا الصدد:" منحت اسم عائلتي للطب، المهنة التي لن أتخلى عنها حتى الممات. فيما يخص الأدب، فأني سأتخلى عنه عاجلا أم آجلا، لأن الطب مهنة جدية أما لعبة الأدب فتتطلب ألقابا مختلفة!!".


  استعار أنطون تشيخوف كغيره من كتاب القصة القصيرة الساخرة، أسماء كثيرة، والأغرب أن تشيخوف ذاته فشل في تذكر كافة الأسماء وخاصة تلك التي استخدمها لنشر قصصه الأولى. 

ويقول" سيرغيينكو" وهو أحد أصدقاء المدرسة بأنه لن يفلح مهما حاول أن يتذكر، صفحة ملفتة للانتباه من حياة تشيخوف في سنوات الدراسة، وأن تشيخوف لم يكن يتميز عنهم بمواهبه وأنه كان تلميذا خاملا أشبه بأبناء الريف، ذو وجه دائري كالقمر وابتسامة كئيبة...ولذلك لقبه الأطفال بأنتوشا تشيخونتي، بينما يؤكد نقاد الأدب بأن لقب أنتوشا تشيخونتي جاء على لسان مدرس التربية الدينية بوكروفسكي، أستاذ تشيخوف في مرحلة الدراسة الثانوية الذي كان مبدعا في تحريف أسماء تلاميذه... فأستعار تشيخوف هذا الاسم ليوقع به أولى قصصه الساخرة.

مهما قيل، فأن تشيخوف أصبح من أشهر كتاب المسرح والقصة الساخرة في روسيا والعالم.

لجأ كاتبنا إلى استخدام الأسماء المستعارة لا من أجل إخفاء أسمه بل لكي يسلي القارئ ويدفعه إلى التفكير والتخمين لمعرفة أسم كاتب القصة...

في أغلب الأحيان، وظف تشيخوف الاسم المستعار كعنصر ضروري من تركيبة قصة معينة أو جزء من العبرة الأدبية وليس بالإمكان فهم هذا الاسم خارج سياق القصة..وان خلفية هذا أو ذاك الاسم المستعار قد تكون معروفة لدائرة ضيقة من أصدقائه المقربين أو قد يحتاج ذلك الاسم إلى شرح إضافي من قبله لمعرفة ما كان يعنيه...

لقد استخدم تشيخوف أكثر من 50 اسما مستعارا إلا أنه بإلحاح من صديقه الناشر والصحفي والمسرحي والناقد الروسي المعروف سوفورين، يبدأ تشيخوف  بتوقيع قصصه في مجلة "نوفويه فريميا("العصر الحديث") باسمه الحقيقي وأستمر في نفس الوقت باستخدام الأسماء المستعارة في الصحف الساخرة..مع انتقاله إلى موسكو ودراسته الطب سلك تشيخوف طريقه الخاص مبتعدا عن المجلات الضخمة وبدأ، بتواضع في نشر مقالاته الصغيرة وقصصه في الصحف الساخرة. وأظهر تشيخوف الشاب في أول قصة له بعنوان" رسالة إقطاعي من منطقة الدون"(عاد تشيخوف وعنونها فيما بعد لتصبح:"رسالة إلى جاري العالم") براعة فائقة في الكتابة بتواقيع مستعارة. فهو لم يكن ينتحل الاسم فحسب بل كان يحكي بلغتهم ويقلد أساليبهم ويفكر بعقلهم. 

  ويذهب بعض النقاد بعيدا ويؤكدن بأنه كان من الأفضل الإبقاء على تلك الأسماء تُذيل قصصه الأولى لأنها بعيدة كل البعد عن أسلوب تشيخوف الحقيقي...

 

من أسماء أنطون تشيخوف المميزة: أنتوشا تشيخونتي، وبالداسوف، ورجل من دون طحال، وطبيب من دون مرضى، وشقيق أخي، ورجل عصبي، ودون أنطونيو تشيخونتي، والعم، وشاعر نثري، والعقيد كوتشكاريوف، والعجوز الشاب، والقرّاص وغيرها من الأسماء...

    استخدم الاسم المستعار "أنتوشا تشيخونتي" وهو الاسم المستعار الأكثر شهرة لتشيخوف، بأشكاله المختلفة:"أنتوشا تش."و"أن تشي."و"أنتشي"و"أ. تشيخونتي"و"تشيخونتي"و"دون أنطونيو تشيخونتي"و"تشي خونتي"، و"أنتوشا تشيخونتي" وراح يكتب الكروكيات والاسكتشات التي كان الغرض الرئيس منها تسجيل ملاحظات سريعة فردية عن الواقع تعتمد على الذاكرة والخيال وهي أيضا ساخرة، قريبة جدا من طبعه وموهبته، أكثر من قصصه الطويلة...إلا أن تلك الكروكيات لم ترتق إلى المستوى المطلوب، غالبا بسبب الاستعجال في كتابتها لقبض المكافأة للصرف على عائلته التي كانت تمر في ظروف عصيبة.

     لقد أشرعت الصحف الصغيرة أبوابها أمام تشيخوف وقيمت عاليا سخريته. فظهرت في كروكياته، قوة ملاحظته وقدرته على الإضحاك وجذب القراء، وكان هذا كافيا لأنتوشا تشيخونتي ليذيلها بأسماء أخرى كــ"بالداسوف وشقيق أخي ورجل من دون طحال وغيرها... ومن ثم تم اعتماده كمحرر دائم في الصحف الساخرة ونشرت أعماله عشرون مجلة خلال ست سنوات وتمكن في النهاية من الوصول إلى "جريدة بطرسبورغ" الشهيرة جدا وأصبح محررا في مجلة "العصر الحديث" باسمه الحقيقي ولكن كتاباته في "أسكولكي"(شظايا) و"بوديلنيك"(المنبه) و"جريدة بطرسبورغ" بقيت بأسمائه المستعارة حتى عام 1887.        

قدم تشيخوف في هذه الفترة أربع مجموعات قصصية ذيلها باسمه المستعار "أنتوشا تشيخونتي" منها: " أساطير ميلبومين (عام 1884)" و" قصص متنوعة(1886)" و"في الغسق(1887)" و"خطابات بريئة(1887)" ...وأبدى الكاتب حرصا شديدا في اختيار ما يمكن ضمه إلى تلك المجموعات وأعترف وقتئذ بأنه يقيم إنتاجه بحذر منذ مرحلة الشباب ويوليها الاهتمام ويعيد النظر فيها...لقد كان يكتب بخفة عجيبة، وفي حالة أشبه بحالة اللاوعي. كان يملك موهبة مميزة تلهمه فورا إلى الكتابة عن أول موضوع يلقاه وتناوله سواء من الجانب المضحك أو المبكي ويكون الموضوع جاهز للنشر!! وكانت هذه الكتابات على شكل لوحات، أو مونولوجات أو مواضيع ساخرة أو أغلبها مجرد نكات.. واعترف في إحدى المرات لصديقه الكاتب بلشييف  مفتخرا  بأن القصة التي أعجبته كتبها في الحمام!!. وقال متفاخرا أيضا مرة للكاتب كوروليونوك  بأن بإمكانه كتابة قصة حول منفضة السجائر الموضوعة أمامهم على الطاولة...

كنت تميز في تصرفاته نوع من تهور وقوة شبابية مفرطة وحماس شخص يشعر بذاته بأن مواهبه الخلاقة لا حدود لها...

كان ضحك "أنتوشا تشيخونتي" في تلك الفترة  تعبير عن مزاج مرح، لكنه اعتمد عليه باكرا لتسجيل تناقضات الحياة أو عواقب المزاج الاجتماعي العام، دون أن يهتم بتطابق تلك الحالات مع الواقع بشكل تام فالمبالغة وتشويه الواقع كانا من أدواته المألوفة!!.

لم يكتف تشيخوف بتوقع قصصه بأسماء مستعارة بل ذهب أبعد من ذلك، فلقد أبدع في إطلاق أسماء عجيبة على أبطال قصصه، تعبر عن حالتهم النفسية ومركزهم الاجتماعي وصفاتهم وعاداتهم اليومية وأسلوب حياتهم وتصرفاتهم... وسيكون هذا الجانب من إبداعات تشيخوف موضوعا لدراسة أخرى...

    يعتقد النقاد بأن الاسم المستعار"العقيد كوشكاريوف" مركب من أسماء بطلي قصة الكاتب الروسي الشهير نيكولاي غوغول "الأنفس الميتة" و مسرحيته"

العرس"..

 

 

أما أصل الاسم المستعار " شقيق أخي"  فهو نشر تشيخوف لقصصه في نفس المجلات الساخرة التي كان يكتب فيها شقيقه الأكبر الكسندر..و لكي لا يسهو القارئ، وقع قصصه بـ أنـ. ب. تشيخوف و"شقيق أخي"

أما بقية الأسماء المستعارة كـ."طبيب من دون مراجعين"و"بالداسوف"و"روفر" و"القرّاص"و"البرغي رقم 5 3\4"و"البرغي رقم 6 و8"و"لا أحد"و"غراتش"و"كوفروف"و"كيسلياييف"و"شاعر نثري"و"شامبانسكي"و"العصبي"و"بافلوف"و"بانكو"و"تارانتولوف أكاكي"و"بوريسوف"و"ويلس"و"محرر تقويم المنبه"، فكانت لعدة مرات فقط ومن أجل تأثيرها الساخر والإضحاك.. فقط اسمه المستعار"رجل من دون طحال" كان له دلائل جدية و طابع طبي استخدمه تشيخوف لأكثر من عشر سنوات..وكان عدد القصص التي كتبت بذاك الاسم تناهز 119 قصة وكروكي وخمس مقالات نقدية...وكتب لأول مرة بهذا الاسم مقالة نقدية بعنوان"هاملت على خشبة مسرح بوشكين"(1882)  ، وأخر مرة حين نشر قصته"حب سمكي" عام (1886) وكان حينها في السنة الثالثة بكلية الطب .. ويعتقد النقاد أن هذا الاسم غير العادي يعود إلى فترة دراسته في كلية الطب بموسكو حيث كانت مادة التشريح من أصعب المواد لدى تشيخوف والاسم المستعار"رجل من طحال" يعود إلى تلك الفترة..أذن ما المعنى من استخدامه لهذا الاسم المستعار، وما هي الصفات التي يتميز بها رجل من طحال وبأي معنى علينا فهم ذلك؟...حين نقول رجل بلا قلب أو دون عقل فنحن نقصد بأنه عديم الرحمة أو مجنون!!! أما حين نقول أن الرجل من دون كلية أو عين فنحن نتعاطف مع هذا الشخص..إذن ما هي فائدة الطحال لجسم الإنسان؟.. من المعروف إن الطحال هو محطة تخزين الدم، ويشارك في عملية الدورة الدموية..لكن بإمكان الحيوانات والبشر العيش من دونه...وأثبت العالم الروسي الشهير بوتكين بأن حجم الطحال لدى الإنسان يتعلق بحالته النفسية، أي تلك الانفعالات التي يرافقها انقباض في الأوعية الدموية في حالات الخوف والهلع والاندهاش والسعادة إلخ، والتي تؤدي إلى تقليص حجم الطحال!! إذن بإمكاننا القول إن الرجل فاقد الطحال هو رجل لا انفعالي!، وهذه الاستعارة إن دلت على شيء فإنما تدل على براعة تشيخوف في اختيار الأسماء بمعانيها ودلالاتها المتعددة وإشارتها وتأكيدها، حسب توظيفها على الجانب الساخر والمضحك في الإنسان وما يحدث لنا في حياتنا اليومية بما فيها من سخرية وفرح ومنغصات وخوف وسعادة ومعاناة..        

على الرغم من أن الكاتب الروسي الشهير أنطون تشيخوف وقع بأسماء عديدة إلا أنه دخل عالم الأدب باسمه الحقيقي، وترجمت أعماله إلى كافة لغات العالم ورسخت أسماءه المستعارة في أذهان قراءه ومحبي أدبه منذ 130 عاما وحتى يومنا هذا..