أيها الشرطي.. فتش حقيبتي

تأليف: 

من مصدر موثوق هذه المرة، هو أنا شخصيا، ففي يوم  11 نيسان 2011 حدث انفجار في محطة الميترو القريبة من بيتي والتي أتواجد فيها كل يوم عشرات المرات أنا وأسرتي وأصدقائي ومعظم سكان المدينة، أودى بحياة 13 شخصا حتى الآن وأصيب أكثر من مئتين بجراح الكثير منها خطيرة. بعد ذلك اتخذت إجراءات أمنية مشددة وأعلن ما يشبه حالة طوارئ، فأصبح عليك عندما تدخل إلى أي تجمع كبير أن تخضع للتفتيش إذا كنت تحمل حقيبة، بمعنى آخر أصبحت حقيبتك لعنة عليك، ولهذا فإنني صرت أفضل التنقل مشيا على الأقدام لأن دخول المترو سيخضعك للتفتيش، والتفتيش مرتبط في ذاكرتي بالذل والإهانة، فمرة في كراجات حمص وكنت متوجها إلى طرطوس، أطل الشرطي بجذعه من باب الباص وكان قد دقق في هويات الركاب وتسائل بنبرة جافة: - مين عدفه؟ وعندما لم يجبه أحدا من يكون عدفة، أعاد السؤال ولكن بنبرة أكثر صرامة هذه المرة - مين عدفة؟ وعندما لم يسمع الجواب أيضا صرح بنبرة لا تخلو من التهديد: - مين عدفة؟ وهنا تساءلت عجوز تجلس في المقعد الأخير - لا يكون عرفة يا أخي؟ فرد متذمرا: - قولي عرفة "خرى" من الأول.. ليش مقبورة ساكتة؟ هذه القصة وغيرها مما يشبهها ويفوقها فجاجة تتبادر إلى مخيلتي كلما سمعت كلمة "تفتيش" ولهذا بالتحديد فضلت المشي على التفتيش، فحقيبتي فارغة ولا يوجد فيها أشياء مريبة، ولكن من مبدأ "أبعد عن الشر وغنيلة" أحاول تلافي الخضوع للتفتيش، غير أنك مهما هربت من مصيرك فهو لاحق بك لا محالة، فاليوم كنت مضطرا لشراء الخبز والمواد التموينية اليومية التي لا غنى عنها وذهبت إلى المجمع وأنا أعلم مسبقا أنني سأخضع للتفتيش، وكم تمنيت لو كان هناك بسطات على الرصيف اشتري منها حاجياتي دون الدخول إلى ذلك المجمع، ولكن للأسف هي غير موجودة. وكما توقعت فإن أول من استقبلني عند باب المجمع كان شرطي وشرطية يقفان هناك، تمنيت أن تقوم الشرطية بتفتيشي، ولكنها لسوء الحظ كانت مشغولة بتفتيش شخص آخر،  ولذلك فقد اقترب مني الشرطي وطلب مني بابتسامة أن أسمح له بتمرير عصاه الألكترونية التي تكشف المعادن حول حقيبتي، ثم طلب مني أن أفتح الحقيبة ، البشاشة التي استقبلني بها بعثت في نفسي الطمأنينة أما ما حدث لاحقا فقد بعث في نفسي الثقة، فقد كرر عبارة "أنا آسف الوضع يتطلب ذلك" أكثر من ست مرات أثناء التفتيش، ثم بعد ذلك أشار براحته وقال تعلو وجهه ابتسامة: - تفضل. في طريق عودتي كان هناك مجمع آخر يبيع الأحذية والمصنوعات الجلدية، ولم يكن هناك ما أريد شراءه ولكنني قررت الدخول لغاية واحدة فقط هي أن يفتش الشرطي حقيبتي، وكما حصل في المرة الأولى حصل في المرة الثانية، "الوضع يتطلب ذلك أنا آسف جدا"، ولأن شرطي الجلديات لم يكن اقل بشاشة من الذي سبقه فقد تولد في نفسي عطش للتفتيش، لا ادري ما سببه.. ربما رغبة مكبوتة في محو ما يعلق في ذاكرتي من رهاب تسببه هذه الكلمة، وربما انتقاما لكرامتي التي كانت  تتلوى كلما تعرضت للتفتيش في السابق، ربما ولكن شيئا في اللاوعي هو الذي ولد هذا العطش. بعد مجمع الجلديات مررت قرب مطعم وجبات سريعة ودخلته أيضا لا لجوع وإنما رغبة بالتفتيش ، وتوجهت بشكل طوعي إلى الشرطي وهممت بفتح حقيبتي، ولكنه أشار لي بابتسامة أن أدخل، ربما كانت هيئتي توحي بالثقة، ولذلك لم يفتشني، أما أنا  فارتسمت ملامح الخيبة على وجهي وكدت أطلب منه: - أيها الشرطي.. فتشي حقيبتي إذا سمحت..ولكنني لم افعل ، فتابعت طريقي وشربت فنجان قهوة وفي نفسي حقد على ذلك الشرطي الذي لم يفتش حقيبتي.