جنرال الأعراس

رتبة الجنرال في روسيا القيصيرية كانت  تشبه إلى حد بعيد رتبة الباشا في الدولة العصملية، حيث تجد جنرالا مثل كوتوزف الذي هزم نابليون بونابرت، وتجد جنرالا لا يمون على عضلاته المكلفة بحبس غازات بطنه في الأماكن العامة حفظا لماء الوجه، ومع هذا فإن الأول جنرال والثاني أيضا جنرال، ولكن إذا كان الأول يحل ويربط في المخططات العسكرية وربما تكون له الكلمة الفصل في القرارات الاستراتيجية على مستوى الدولة، فإن الثاني لا يساوي نكلة في ذروة التضخم المالي، فهو على الأغلب سكير عاطل عن العمل يتنقل من مائدة إلى مائدة لا هم له إلا السكر والشراهة، وعندما يثمل يتجرأون على طرده ورميه في الشارع، لا بل انهم في الكثير من الأماكن المحترمة لا يقومون بدعوة مثل هؤلاء الجنرالات إلى المناسبة حفاظا على مستوى المناسبة، غير أن الدنيا لم تكن تغلق ابوابها في وجه هؤلاء الجنرالات  بشكل كامل، وإلا لماتوا كمدا، فقد كانت لهم مكانة لا بأس بها في قاع المجتمع، لدى صغار الموظفين والحرفيين والملاكين، فقد كان هؤلاء الذين لم يدخل بيتهم طيلة حياتهم شخص عليه القيمة، يقومون بدعوة جنرالات (النص كم) الذين نتحدث عنهم، وكانوا يفعلون ذالك لكي يضفوا قيمة ما على مناسبتهم فيتحدثون في مكان العمل أو في اللقاءات مع الزملاء والأصدقاء بأن الجنرال فلان كان من بين المدعويين الذين حضروا المناسبة، وبما ان اغلب المناسبات كانت أعراسا، فقد سادت على كل فرد من هؤلاء تسمية (جنرال عرس) مهمته الأساسية التواجد لكي يراه الناس ويتحدثون عن ذلك، بكلام آخر ديكور، ويقول البعض أن من اخترع هذا المصطلح وروجه هو الكاتب الروسي تشيخوف، ولكن هذا ليس موضوعنا الآن، فالذي ذكرني بجنرالات الأعراس هؤلاء هو امر مشابه سيحدث عندنا في المستقبل القريب على ما أظن، حيث ستظهر طبقة تشبه طبقة جنرالات الأعراس في روسيا القيصيرية، فنحن مقبلون على فترة تتسم بتشكيل الأحزاب الكثيرة، لأن الشعب  السوري الذي لم يعرف إلا حزب البعث والأحزاب المنضوية (تحت باطه)، أو الأحزاب السرية التي تعرضت لما يشبه الإبادة، عندما تنفتح أمامه طاقة الأحزاب سيفلت على تشكيل الأحزاب كالمفجوع على مائدة شهية، أو لنقل كالعديم الذي وقع بسلة التين، ولكن بما أن معظم التجمعات السياسية التي قلنا عنها سابقا أنها اشبه بالـ (أرطة) لا تمتلك امتدادا على مستوى الوطن، كونها كلها ذات طابع مناطقي أو ديني أو طائفي أو ما شابه، فسنرى مهنة جنرال الأعراس تنتعش ولكن في سوريا هذه المرة وليس في روسيا القيصيرية، فهذه الأحزاب الناشئة ستتخذ اعضاء من مناطق اخرى، او ديانات أوطوائف أخرى لكي لا توصم بأنها دينية او طائفية أو مناطقية، وعلى الأغلب سيعين هؤلاء الغرباء المدعوون لهذه الأحزاب في منصب نائب الأمين العام، أو عضو المكتب السياسي او اللجنة المركزية وربما يمنحون مقاعد في البرلمان أو الوزارة، ولكن في كافة الأحوال لن يكون لهم أي قيمة في الحل والربط، وهم للديكور فقط، وبطبيعة الحال فإنه سيكون لهم تسمية ثانية غير تسمية جنرالات الأعراس، فالمخيلة الشعبية بكل تأكيد ستخترع لهم تسمية تلائمهم.