الديس

تأليف: 

" أنا الديس ، لمن لا يعرفني فأنا نبات عشبي ، يدعوني بعض المغالين ضارّا ً ، لكني نبات سام ٍ ، أثبتت التجارب أني لا أموت إلا مسموما ً كالعظماء.

أشواكي مصدر إزعاج لكل من يحاول اجتثاثي ، و جذوري رغم قربها من الهواء إلا أنها ثابتة راسخة لتجدّدها وعنادِها"

هكذا سمعت نبتة الديس التي استشرَت في أرضي تقول لي و تتحداني ، تكاد تسيطر على نصف الأرض ، دونمين  تقريبا ً من السياج الشائك الناجم عن طول الإهمال من مالك الأرض السابق.

                                      ***

إن حب الامتلاك فطرة في الإنسان الطبيعي تنمو بذورها منذ أيام الطفولة الأولى ، ولكم شعرت بالغضب حين أحسست أن نبتة عملاقة تشاركني ملكيتي البسيطة التي كنت فخورا ً بها ، حتى غدا التخلص من هذا العدو المؤذي واحدا ً من أولوياتي .

استعنت بداية بسواعد أبي محمد يرتة الذي لم يوفر طاقة ً في إعمال معوله بسوق الديسة العملاقة ، و إذاقتها ويلات ضرباته ، ثم تجميع الأغصان المقطوعة جثثا ً هامدة .

ثمانية أيام و أوصال عدوي تتقطع ، و رأسي يزداد شموخا ً.

ولكن .. هل انتهت المعركة ؟؟؟

" احذر الدّيس يا بني ، فبعد أن تجتـثـّه يعود فينبت من جديد ، يجب أن تنتظر بزوغ أوراقه الخضراء الجديدة ، و ترشه بالمبيد على يخضور قوي ّ " هكذا قال لي جدّي الذي أصبح مخضرما ً في فنون التعامل مع الأرض ، هذه التي أطعمته و جنّبته الفاقة و العوز فأحبها و قدّسها.

وهكذا بدأت أترقب بشوق بزوغ أوراق عدوي كي أثنـّي عليه ضربة كيماوية قاتلة من الغلايفوسيت سمّا ً يجري في عروقه ، بينما كان أبو محمد يرتة يحرق الجثة العملاقة للديسة الذبيحة بمساعدة والدي .

وجاء اليوم الموعود ، خرجت أنا و خالي مزوّدين كل واحد بمرشّ ،

أعملنا سمومنا في الجسد الغض للأوراق الخضراء البازغة ، و حاولنا جهدنا ألا نترك ورقة دون ان نذيقها شرابنا اللذيذ..

و لم يبق أمامنا إلا الانتظار .. أسابيع قليلة و نرى حصيلة تعبنا..

***

" أعلم أنني أصبت في الصميم ، معاولا ً و سموماً ، و  أن أوراقي المرهفة تجرعت ما من المفروض أن يكون كأسها الأخير .. لكني أعلم أيضا ً أنني لم أخسر من قبل حربا ً ،وطالما بقيت في ورقة خضراء طاهرة ستشرق شمسي من جديد ، وما لم أجتثّ من كل جذوري سأعود!!"