ألوان قوس قزح في كل ما حولنا

ترجمة: 

هل فكرتم يوماً : لماذا اللون الغالب على البراد أبيض؟ ولماذا لا يرتدي السياسيون البرتقالي والبنفسجي؟ يرتبط هذا وغيره في الواقع بتقبلنا لهذا اللون أو ذاك. إننانعيش في عالم من الألوان، وتميز عين الإنسان 1,5 مليون لون، لا نراها وحسب، بل نشعر بها.أجرى علماء نمساويون دراسة مثيرة، حيث أدخلوا متطوعين معصوبي الأعين إلى غرفة، حيطانها مدهونة بمختلف الألوان، فعند اللون الأحمر ازداد النبض لديهم، وعند الأصفر عاد النبض بسرعة إلى معدله، ومع الأزرق انخفض بشدة.

 

    

تأثير الألوان على الإنسان بالطبع، تتباين دلالات الألوان بين مختلف الحضارات، لكن الأمر اليقين والمثبت، أن كل لون له عند كل إنسان مقارنة ثابتة وتأثير. فهل رأيت من يدهن غرفة أطفال بلون أسود؟! أو من يلبس الأبيض في عزاء؟! أو الأحمر إلى اجتماع عمل؟! تثير الألوان مختلف المشاعر والانفعالات: من الغضب إلى الفرح والسكينة والاسترخاء، وإلى الحزن والحماس. لقد ربط يوغان فون غوته بكتابه "نحو نظرية اللون" منذ العام 1810 بين الألوان والشعور التي تثيرها، وتوصل العالم السويسري ماكس ليوشر لأفضل النتائج، حين برهن العلاقة بين تقبل الألوان والوضع النفسي لدى الإنسان، حيث أثبت تجاربه أن الألوان الصفراء- الحمراء تستدعي الاضطراب والانفعال عند البشر، والزرقاء والرمادية على العكس، تهدّئ.

  

يرمز اللون الأبيض عند الأوروبيين للنظافة والبراءة والفضيلة، ويستدعي في الخيال الفرح والاحتفاء. أما في الصين وبلدان آسيا، فإن الملابس البيضاء علامة الحزن، ولدى الكثير من القبائل الأفريقية والاسترالية تقليد بدهن الجسم بالجص بعد موت أحد الأقارب. كما أن الأبيض كان لون الحزن والكرب قديماُ لدى الشعوب السلافية. الرمادي يتعلق من جهة بالمصائب والحنين والسأم، ومن جهة أخرى يدل على الثقة وضبط النفس. كان هذا اللون منذ القدم حتى عصور النهضة ضيق الانتشار، غائباً عن الاهتمام، ومرتبطاً بالتعاسة والفقر. اللون الرمادي والرمادي ذو الصبغة السماوية هي ألوان الذئاب والنسور في فلكلور الكثير من الشعوب- رمز لنذر الخطر. وفي القرن الثامن عشر فحسب، بات هذا اللون- الرمادي- على يد نبلاء فلورنسا، مقياساً للأناقة والذوق الرفيع. الأسود هو لون الحزن والتعاسة والحداد والموت، لكنه لدى بعض الشعوب يشير إلى القوة الجنسية والشغف، فإذا قال العربي: "سواد العيون" قصد به محبوبته، وحين يقول: "سواد القلب" يقصد به الحب. أما بعض القبائل في أفريقيا، فيعدون أشد النسوة سواداً، أكثرهن شبوة وأغزرهن حباً.   إن اختيار الألوان متعلق بأسباب شتى: العمر والمستوى الثقافي والتعليمي، والمزاج. فمثلاً، الألوان النقية والباهرة يحبها الناس ذوو النفسية السليمة، والصغار والشباب، وذوو الطبائع المنفتحة. لقد أثبت العلماء أن الإنسان يفضل لوناً واحداً، أو لونين- ثلاثة، لا أكثر، يختار بها ألوان ثيابه وأثاثه وغيرها من الأشياء.   أظهرت دراسة للباحث الأمريكي في علم النفس- بيرتولد شوارتس-  أن أصحاب السيارات ذات الألوان الحمراء والصفراء متفائلون ويحبون الحياة، أما السيارات الخضراء فيركبها الواقعيون، والزرقاء يختارها المتزنون، وأما أصحاب السيارات البيضاء فهم من المحافظين، وأصحاب السيارات السوداء هم من رجال الأعمال.

 

كما أثبت علماء النفس الأمريكيون منذ فترة وجيزة، أن الألوان في الدعاية تؤثر على رأي الشخص إزاء أي منتج بنسبة 21% أكثر من النشرة المرفقة به، وحسب الدراسات أن ألوان الدعاية، أو غلاف المنتج، يؤثر على رأي المشتري في 60% من الحالات؛ حيث إن التآلف الموفق بين الألوان، يزيد من حظوظ المنتج بنسبة 38% أن يكون مرئياً، ويرفع ردود الأفعال الإيجابية  نحوه لدى الزبائن بنسبة 22%.

   

إن قيمة اللون الأحمر متباينة ومتناقضة، فهو يرمز للحب والشغف والجاذبية، وفي الكثير من اللغات تتطابق دلالة المفردة "أحمر" مع المفردة "جميل" (كما في الروسية). ويقولون في الصين عن الشخص اللطيف والصريح والصادق: "قلب أحمر"، كما يتطابق هذا اللون مع الدفء، وتبدو القهوة أكثر سخونة في فنجان أحمر. لكن هذا اللون ذاته، يشير إلى الثأر والدم والحرب، فلدى الكثير من شعوب أفريقيا وأوستراليا وأمريكا، يصبغ المقاتلون وجوههم وأجسامهم وشعورهم بالأحمر، تهيئة للمعركة.

   

اللون البرتقالي – لون المرح والدفء والراحة، وهو يجذب الانتباه ويرفع المزاج ويبث النشاط، لذا يحبه خاصة الأطفال. وفي الثقافات الأفريقية والاسترالية البدائية تسمو الأشياء المصبوغة بهذا اللون على غيرها، ولخاصيته بجلب الانتباه بالذات ورفع المزاج، تم اختياره لصنع ملصقات الأسعار على البضائع، الخاضعة للتنزيلات. لذا، بات اللون البرتقالي في أوروبا المعاصرة رمزاً لسهولة المنال والفائدة.

   

أثبت علماء الاجتماع أن ما يؤثر على اختيار الزبون، ليس اللون وحده، بل وعدد الألوان المستخدمة في الدعاية الإعلانية، وبرهن علماء النفس أن لوحات الإعلانات الملونة تثير الانتباه بنسبة 40% أكثر من الإعلان بالأسود والأبيض. لكن الخبراء ينصحون باستخدام ثلاثة ألوان لا أكثر، ذلك أن الإعلانات الرقشاء (غزيرة الألوان) حسب الخبراء، تثير الأعصاب. لذلك عمدوا في أوروبا إلى السماح بإعلانات السجائر والخمور بالأسود والأبيض فقط.

 

اللون الأصفر- لون الذهب الذي اعتقد القدماء أنه عبارة عن أشعة الشمس المجمدة. إنه يثير شعور الدفء والثقة وبحبوحة العيش، فلدى الكثير من الشعوب يدل الرداء الأصفر إلى النبل والثراءـ كما في ملابس القياصرة والملوك. من جهة أخرى، تشير الراية الصفراء في الدول الأوروبية إلى الأمراض والحجر الصحي، والصليب الأصفر إلى الطاعون . أما دلالة هذا اللون عند الشعوب السلافية- الخيانة والغش والغرابة.

    

يرمز اللون الأخضر عند شعوب كثيرة إلى الصبا والأمل، ويصنف العديد من الثقافات هذا اللون إلى البدايات الأنثوية في المقام الأول- كما لدى قدماء الرومان، حيث كانت النسوة يرتدين الأخضر حصراً. بيد أن حضارات أخرى كانت نظرتها إلى هذا اللون سلبية، فالإيرانيون يلقبون الشخص سيء الطالع "بالرِّجل الخضراء"، والمقبرة "بالدار الخضراء". أما الإنسان المعاصر، فيستحضر هذا اللون في مخياله صورة الدولار، وأما في ألمانيا العصور الوسطى، فكان لزاماً على المفلسين لبس قبعة خضراء اللون.

 

يلعب اختيار وتآلف الألوان دوراً عظيماً في تأثيرها، فقد أثبت العلماء أن الأزرق والأبيض والذهبي والأسود، تقترن  بالمنتاجات الغالية، وتعد ألوان النخب في المجتمعات. وبالفعل تنتشر هذه الألوان وتآلفاتها في المنتجات غالية الأثمان. إذ إن اللون الغامق يساعد أكثر على إظهار اللون الفاتح، أو يجعل رمز الشركة أكثر وضوحاً على المنتج، ما يزيد من جاذبينه. اجتماع الأصفر والأحمر، حسب الخبراء يشير  إلى الراحة والفرح والمرح مع الدفء (ذات الألوان التي تستخدمها مطاعم "ماكدونالدز" للوجبات السريعة، وقطع السكاكر للأطفال، وعلب شاي "ليبتون"). وهناك ألوان ينبغي تجنب اجتماعها: البرتقالي مع البنفسجي، وهي تثير الأحاسيس السالبة والشعور بالاضطراب، والكتابة البيضاء على خلفية سوداء تبعث على الشعور بانسداد الأفق. خلص العلماء إلى أن العلامة المستدامة، الخاصة بمنتج ما، تشد انتباه الزبون، وهذا ما تتبعه شركة "نيفيا" التي تحافظ علىى علامتها التجارية منذ العام 1911.

 

يشير اللون السماوي (الأزرق) عند الكثير من الشعوب إلى السماء، والخلود والإخلاص. لذا غالباً ما تكسا سقوف المساجد والأحرام البوذية بموزاييك لازوردية. كما يقترن هذا اللون بالنزاهة والشرف والنبل، والترفع- ألا تذكرون عبارة: "الدم السماوي" أو "الحلم السماوي". إما في الوقت النعاصر فقد تحولت دلالات هذا اللون، وبات يشير في أوروبا إلى الأقليات الجنسية (المثليون من الرجال) ويحمل إلى الأغلب صبغة سالبة.     يقترب اللون الأزرق (الكحلي) من الأسود، وعليه يراه الكثيرون مشابهاً بصفاته للأسود، فهو لون الحزن لدى في مصر القديمة وشعوب جنوب أفريقيا. أما في أساطير الشعوب السلافية (روسيا وأوكراينا وبيلاروس، ومعظم أوروبا الشرقية الأرثوذكسية) فيقترن هذا اللون مع العالم الخفي والجن، وغيرهم من القوى الخفية الخبيثة، وفي مسح "كابوكي" الياباني يرتدي ويتزين ممثلو أدوار الشر والشيطان بالألوان الزرقاء. أما الفرنسيون، فهم إلى اللحظة يصفون المخيف والمرعب "بالخوف الأزرق"، وحكاية "اللحية الزرقاء" الفرنسية المشهورة تجسد ذلك بجلاء.

 

علماء النفس يعتقدون حقاً، أن اللون البنفسجي أكثر الألوان تناقضاً وازدواجاً- فهو يحصل من مزج الأحمر الدافئ مع الأزرق البارد. إنه يبعث على السكينة والهدوء، حتى إلى درجة الكبت، غير أنه كان عند اليابانيين في العصور الوسطى، يشير إلى الشغف الرومانسي الجامح. وفي القرن التاسع عشر، أثناء ازدهار التصوف، كان الأوروبيون يتخذونه  رمزاً للخفي الجاذب والآسر. كما يشير علماء النفس إلى أن اللون الزهر يمتص الغضب والتوتر ويخفف حدتهما، لذا نراه في المؤسسات الإصلاحية، والمدارس التي تضم التلامذة والناشئة من ذوي السلوك الصعب.     توصل العلماء إلى أن الأشخاص يلاحظون ويتقبلون ويحفظون الكتابة بالأسود على خلفية صفراء على الوجه الأفضل، ما دعا لاستخدامها في الشاخصات الطرقية. كذا يلجأ الأوروبيون والأمريكيون لاستخدام اللون الأصفر لحافلات المدارس.

 

يمكننا إيهام الإدراك الباطني عند الشخص بالكثير جداً، وذلك ببساطة من خلال استخدام اللون اللازم. فنحن تعودنا الثقة بشعورنا وأحاسيسنا والمقارنات المألوفة لدينا. وهكذا: العلبة ذات الغلاف البني توحي للزبون بأن المنتج داخلها، مصنع من مواد نظيفة بيئياً. فيما يؤكد العلماء أن اللونين الفضي والرمادي يشيران إلى الثراء وسعة العيش، متفوقان بذيك على الذهبي. وأفضل غلاف لعلبة الهدية أن يكون بلون البلاتين (لون بطاقات الدفع الالكتروني) إذ توحي بالثراء وغلاء الهدية، والأبيض في الطب يوحي إلى النظافة والتعقيم. الألوان في اختيار الملابس تعطي توصيفاً دقيقياً لصاحبها: قد تمنحه الثقة، أو تستدعي الارتباك، مع ذلك لا بد أن نعلم أنه لا توجد ألوان جيدة وأخرى سيئة- الأمر متعلق بالاختيار الموفق، لهذه الحالة أو لأخرى، والانطباع الذي يتركه اللباس.

 

من المعروف أنه في أمريكا، خلال عهد الثمانينيات المضطرب، كان موظفو المكاتب يفضلون البذات باللون: الرمادي والكحلي والأسود، أما خلال عهد التسعينيات الهادئ، فكانوا يفضلون الألوان البنية، ومنذ ذلك الحين بات هذا اللون عنواناً لبعث الثقة والأمل بغد أفضل. أما اليوم فينتشر البني وتدريجاته عند الصعاب والأزمات الاقتصادية. أما اللون الأبيض فهو رمز الفضيلة والعدالة والصرامة- ألم تكن باروكة الشعر البيضاء منذ عهد ليس بالبعيد (كان يلبسها القضاة) إحدى أهم مراسم العملية القانونية.