خاطرة بعد ربع قرن

( لو شاء الله ان يحيينا ، قتلنا ) مارتن لوثر 

 

بعد الشد والمد وبعد العد والكد ، وبعد كل المراسم التقليدية والتراثية والطقوس الدينية ، وبعد ان  صدر الحريم وحضر وعرب الزاد ، وسفن الصحراء نائت تحت عبء الزاد ، اتكل الربع على ربه وأخذ الصحراء بوجهه باحثا عن واحة يقطنها ، واحة يجد فيها كل مرتجاه طوال ترحاله ....

الرحلة تسبح بمخاض صحراوي  ( لا نوح ولا طل الخبر ) وأمير القوم يجتر الذكريات البطولية من عكاظ الى النجف ( لا جحا ولا ابي ذر ) الى ان حط الربع ترحاله على شواطئ المتوسط .....

كنت صغيرا وكان المتوسط اكبر مني بألف مرة ، كنت اراقبه كل عشية من خلف شباكي الخشبي  ، الى ان لمحت في البعيد رعايا القوم يتوافدون نحو شباكي باحجامهم البشرية الهائلة وبأيديهم هويات قانونية وجوزات سفر ، حينها أغلقت نافذتي وستائري وهربت الى أحضان أمي فما وجدتها وما تجرأت الكلام ؟ ....

" لا تذهب ليلا الى زقاق الحي كي لا يضربونك زعران الليل " كانت أمي تقول لي ...

وها انا وبعد ربع قرن من الزمن أخاف العتم والعبور بالقرب من زقاق الحي ، حتى انني صرت أخاف جدرانه الواقفة على كف عفريت كما يقول جارنا " معلم العمار " ....

ربع قرن وانا ابحث عن طاقة صغيرة ، أراقب المتوسط  وأمواجه من خلالها لكي اتنفس هوائه بحرية ....

ربع قرن وانا أحاول تتبع اخبار الربع الساكن في الحي المجاور ، أحاول إرجاعه تاريخا ووجودا الى الصحراء ، لكن ربع قرن رحل من من عمري " ولا من قال ولا من سمع " باستثناء صدى حنجرة السيدة فيروز يردد مع اطلالة كل صباح ( وحدهن بيبقوا متل زهر البيلسان )