الولايات المتحدة بدأت الحرب من أجل الصحراء

ترجمة: 

نقلا عن جريدة "كومسومولسكايا برافدا" 28 تموز 2011

بدلا من الاحتباس الحراري الموعود، والذي كرست له حملات الدعاية والإعلام كما لم تكرس لسجائر مالبورو وسيارات تويوتا من قبل، ينتظرنا يا سادة عصر جليدي جديد، هذا ما يؤكده العالم الجيولوجي الروسي فلاديمير باليفانوف.

ولأن النخبة العالمية أو ما يسمى بنخبة "الكواليس" ليس لديها أي رغبة بأن تشعر بالجوع أو بالبرد، فإنها تقوم على عينك يا تاجر، بالتحضير لتلك الكارثة البيئية المنتظرة، ويجري ذلك بشكل مقنّع بمنتهى الدقة، وبشكل خفي عن الغالبية العظمى من سكان الأرض الذين يجهلون هذه الحقيقة القادمة، وخفي عن قادة الكثير من الدول، عبر إثارة الجدل بمسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان وما شابه ذلك من المقولات الإيديولوجية، وهذا ما يوضح الفوضى التي عمت السياسة الدولية في السنوات الأخيرة، أما الحقيقة فإن تلك الفوضى غير موجودة على الإطلاق، وما يجري على الأرض هو جملة إجراءات محسوبة بدقة متناهية من قبل مجموعة من الناس تحضر لنفسها مكانا مريحا في المناطق المفضلة بعد بداية البرد القارس الذي سيعقبه العصر الجليدي المنتظر.

في عام 2005 وقعت بين يدي تنبؤات لعلماء بريطانيين، بأنه في أواسط هذا القرن سيبدأ العصر الجليدي في بريطانيا، وبناء على ما توصلوا إليه من تنبؤات فقد قاموا بشكل جماعي بكتابة رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، طوني بلير دعوه فيها للتحضير لهذه الكارثة البيئية، وشيء من هذا القبيل أرسله علماء في الولايات المتحدة للرئيس بوش آنذاك أيضا، وقد لفت نظري أن هذه المعلومات سرعان ما اختفت من الانترنيت، وبدأ وقتها الحديث عن تقويم حضارة المايا ونهاية العالم بحسب هذا التقويم للفت الأنظار عن تلك المعلومات التي اختفت. ولكنني تمكنت من نسخها وبدأت أتابع ما يجري.

العصر الجليدي سيتطلب من 2000 إلى 3000 آلاف عام لكي يسود الأرض وهذا بمفهوم البشر العاديين فترة طويلة نسبيا، ولكنه بمفهوم التغير البيولوجي رفة جفن، ولكن مع ذلك فإن تدهور الطقس على ضفتي الأطلسي سيبدأ في الأعوام القليلة القادمة، هناك حيث يعيش الآن ما يسمى بـ"المليار الذهبي" أي الولايات المتحدة وأوربا الغربية، برودة التيار الدافئ (الغولفستريم) ستجعل الطقس في الولايات المتحدة يتحول إلى طقس قاري حاد، وسيبدأ تصحر أكثر الولايات خصوبة في الولايات المتحدة، وربما تتطور عملية حدوث الصقيع الأبدي في المناطق الشمالية منها، وبذلك سينخفض حجم الإنتاج الزراعي إلى درجة كبيرة، فالإنتاج الزراعي مرتفع جدا هناك الآن ليس لأن الأمريكيين جهابذة في مجال الزراعة، ولكن بفضل ظروف الطقس الملائمة بشكل يمكن وصفة بفوق العادي. وهنا ستبدأ موجات الصقيع الربيعي التي تؤدي إلى الجفاف وتبدأ معه تقلبات الطبيعة المعروفة جيدا من قبل الفلاح الروسي، كما ستبدأ أوربا في الوقت نفسه بتلمس تدهور الطقس، حيث لن تنعم لندن، حاضنة النخبة المالية العالمية ساعتها بدرجاتها الأربع فوق الصفر المحببة شتاءً، حيث ستنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما يقارب 15-20 تحت الصفر ، وهذا بالنسبة لهم كارثة، وبكلام آخر سيبدأ تجمد الولايات المتحدة وأوربا الغربية، وتبدأ معها عملية التصحر، وسيتعين على كل شخص أن ينفق سنويا ما معدله 3 – 4 آلاف دولار زيادة على الرقم الذي يتطلب إنفاقه الآن، ذلك لكي يتأقلم مع الظروف الجديدة، وسيتطلب تعديل البنى التحتية كافة لكي تلائم الظروف المناخية الجديدة ما يقارب 15-20 تريليون دولار، أضف إلى ذلك 2 - 3 تريليون دولار سنويا لتخديم هذه البنى التحتية أثناء فصل الشتاء.

سيتطلب الأمر الكثير من الوقود لتدفئة عظام " المليار الذهبي" وحمايتها من الصقيع، كما سيتطلب الكثير من الغذاء لملأ بطون هذا المليار، فقريبا سينخفض حجم المحصول الزراعي على ضفتي الأطلسي من 60-80 سنتنار للهكتار الواحد (السنتنار = 100 كغ)، إلى 10-15 سنتنار للهكتار الواحد، وتكفي هنا المقارنة بين الرقمين لكي نكتشف مدى النقص الموعود في المحصول الزراعي المحلي، الولايات المتحدة وأوربا الغربية تصدران الآن 150 مليون طن من الحبوب سنويا، وقريبا بعد تدني المحصول سيترتب عليهما شراء الخبز لنفسهم، وهنا يبرز السؤال من أين ستحصل الدول المستوردة للحبوب الآن على القمح في المستقبل عندما تصبح أوربا والولايات المتحدة عاجزتان عن  تصديره، والجواب هنا يكاد يكون واضحا وضوح الشمس فالآن فقط وبحسب معطيات الأمم المتحدة هناك 955 مليون نسمة في العالم يعانون من مجاعة مزمنة.

في عام 2009 ثار شعب جزيرة مدغشقر ضد الرئيس الذي بنى قصره خارج العاصمة، وحصنه بأسوار عالية منيعة وزنره بحقول ألغام ودشمّه بصواريخ أرض ارض وارض جو، وأقام على حراسته عددا كبيرا من الجنود، بكلام آخر من المستحيل اقتحامه، غير أن الجيش الذي كان مواليا ولاء تاما للرئيس انقلب عليه فجأة وتحول إلى طرف المنتفضين، ولكن هل يعقل أن الشعب الوثني بنسبة 50%، الأمي بنسبة 80% قرر فجأة أنه لايمكن الحياة بدون ديمقراطية؟ خطر لي هذا السؤال وقررت البحث عن السبب، فتبين لي أن الرئيس قام بتأجير 1.3 مليون هكتار، من اصل 2.5 مليون هكتار هو حجم المساحة القابلة للزراعة في البلد، قام بتأجيرها لكوريا الجنوبية لمدة 99 عاما لكي تزرع فيها الذرة، وبطبيعة الحال ومن دون عناء يمكن أن نفهم أن الرئيس حصل على حصته من هذه الصفقة، هذا الأمر أجبر عددا كبيرا من الفلاحين على هجر أراضيهم وقراهم  ودفعهم في نهاية  المطاف للتمرد، مفضلين الموت برصاص الجيش على الموت جوعا، وهكذا سقط الرئيس وخرجت كوريا الجنوبية (يد من الوراء ويد من الأمام) كما يقولون، فبقيت بدون ارض وبدون ذرة، وهكذا تم إخلاء المكان للولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية التي حصلت بعد ذلك على مكاسب كبيرة بفضل منطقة التجارة الحرة التي اقيمت على مدغشقر، ولا نغفل كذلك ما جرى في الدولة الأفريقية الأخرى، السودان، إلى حيث هرع الأمريكيون عندما اكتشفوا أنهم لن يجدوا شيئا يأكلونه في القريب العاجل، ولكنهم فوجئوا بأن الصينيين قد سبقوهم إلى هناك، حيث استأجروا من السودان مليارات الهكتارات لآجال طويلة الأمد، وهنا بالذات وبمحض الصدفة اندلعت حرب دينية أهلية ، وفي يناير الماضي صوت 85% من الجنوبيين الذين ترتفع نسبة الأمية بينهم لصالح انفصال الجنوب عن السودان بعد أن وضعوا لهم في البطاقة الانتخابية علامة خاصة لكي يميزوا، وكل ذلك حصل بمساعدة أمريكية، النضال من أجل الديمقراطية والانفصال وكل شيء، حدث بمساعدة أمريكية، كما أن موقع ويكليكس لم ينس أن يكشف فساد البشير، الذي منح الصين وبلدان الخليج العربي إمكانية استثمار تلك الأراضي، وهكذا تم تقسيم البلد وفقدت العقود الصينية المبرمة سابقا حول استثمار الأراضي مفعولها القانوني، أما شمال السودان الذي بقي عمليا بدون ثرواته الباطنية فسيتلعثم أمام الولايات المتحدة لكي لا يحصل على مشاكل جديدة، كهدايا ربما لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ فيها في أدراجها، ولكم في المحاكم التابعة للمم المتحدة يا ذوي الألباب عبرة فمن بين كل مجرمي الحرب في العالم لا تتذكر تلك المحاكم غلا بعض الأشخاص، وأترك لكم الجواب على التساؤل الذي يجول في خاطري وفي خاطركم .

وهنا يبرز السؤال، ما الذي يوحد السودان الذي قسّم منذ فترة مع مصر وتونس وليبيا التي يقوم الناتو بقصفها من أجل تحقيق الديمقراطية؟ إنها الصحراء الكبرى التي تشغل قسما كبيرا من أراضي هذه البلاد، وقد يقول قائل: ما فائدة هذه الأراضي ولمن هي لازمة؟ وأنا أقول لكم، إن هذه الصحراء هي حتى الآن صحراء، ولكنها قبل 3- 7 آلاف سنة مضت، كانت واحة وبستانا مزدهرا، وواحدة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية في ذلك الوقت، ففيها عثر على الكثير من الرسوم على الصخور ومنها على سبيل المثال صحراء طاسيلي، رسوم تصور بشرا رعاة وفيلة وجواميس وقطعان ماشية وأفراس نهر وتماسيح، فهل قام من رسم تلك الرسوم على تلك الصخور الصحراوية بتخيل ذلك بمخيلته الخصبة، أم أنه رآها؟ لقد بدأت الصحراء تتحول إلى منطقة غير مأهولة منذ فترة قريبة جدا فقط،  وذلك بسبب انقلاب الطقس، وهذا الطقس ينقلب من جديد إلى الاتجاه المعاكس، والصحراء ستتحول مجددا على مكان مزدهر نباتيا وصالح لزراعة عدة محاصيل في السنة، والكارثة النفطية في خليج المكسيك في ربيع 2010 سرعت إلى حد كبير العملية الطبيعية الجارية التي سبق لها وحدثت عدة مرات في تاريخ كوكب الأرض، وهنا إلى الصحراء بالذات، وليس إلى الولايات المتحدة، سيقوم التيار الدافئ (الغولفستريم) بجلب الطقس الملائم.

يقول البعض الذي يؤكد أن ما يجري ما هو إلا خطوات إجرائية لنظرية "الفوضى الخلاقة" التي تم الحديث عنها، إن هذه الفوضى نظمت خصيصا للتأثير على المنافس الأول للولايات المتحدة، أي الصين، بكلام آخر أن هدفها ليس الصحراء، وأنا أقول إنه لو كان الأمر كذلك، لكان من الأولى لهذه الفوضى أن تندلع على تخوم الصين، ولكنها اندلعت في الشرق الأوسط الذي يمكننا الآن أن نسميه بالقوس الناري، لماذا؟ بكل بساطة، لأن هذه المنطقة بالتحديد هي التي ستكون في القريب العاجل المنطقة ذات الطقس الملائم في عصر التدهور الاقتصادي المقبل، وإلى نعمة الشمس هنا، ستضاف نعمة الماء بعد التغير الذي سيحصل، الأرض في الصحراء ستنقلب ذهبا، وعلى العموم فإن الذهب هنا متوفر بما يكفي، إضافة إلى النفط والغاز، ولهذا فإن " الميليار الذهبي" يسعى لكي يوفر لنفسه الغذاء والوقود وربما أمورا أخرى.