تصفية ذاتية للدور الروسي في الشرق الأوسط

ترجمة: 

موقع "إيزروس" 14/9/2011 إيغور غانتمان

 

انقلب "الربيع العربي" ضد روسيا. إذ أن الثورات في مصر وليبيا وسورية، تستكمل عملية تصفية إرث الاتحاد السوفياتي السياسي في المنطقة،  وتلغي منجزات بوتين في السنين الأولى من رئاسته لروسيا، الذي حاول استعادة الدور الروسي في المنطقة، وتهدد شمال القفقاز. وبالمحصلة تخاطر موسكو بفقدان العرب وإسرائيل معاً.

في 13 من أيلول الجاري أعلنت المعارضة السورية "يوم الغضب ضد روسيا". وعلى الرغم من أن هذا لم يفض إلى فعاليات ضخمة ضد روسيا في سورية، إلا أن هذه المبادرة تعكس المزاج لدى القسم المتعاظم من مواطني الشرق العربي. فالجماهير المنتفضة ضد الأنظمة الديكتاتورية، تظهر امتعاضاً متزايداً تجاه روسيا، التي تحاول بشتى السبل الحفاظ على الأخيرة. "إن روسيا اعترفت بالسلطات الليبية الجديدة متأخراً. وكان هذا خطؤها الثاني. حيث جاء الأول أثناء أزمة العراق. ونتمنى، ألا تقدم روسيا على الخطأ الثالث."- أعلن في 9 أيلول عمار القربي- رئيس وفد المعارضة السورية الذي زار موسكو مؤخراً. "كيف يمكن الحصول على عقود، أو توريد السلاح، حينما تتخذ هكذا مواقف"- يتساءل الخبير السياسي السوري هيثم بدرخان- في حديث لإذاعة "صوت الحرية" تعليقاً على دعم موسكو لنظام الأسد. وفي 8 أيلول، أعلن ممثل المعارضة السورية- محمود حمزة- عبر "كوميرسنت" أن المواطنين في سورية يحرقون الأعلام الروسية، لأن موسكو تقف إلى جانب "النظام الذي يقتل المواطنين"

"منذ وقت ليس بالبعيد، أعرب بضعة من النواب الكويتيين عن تضامنهم مع المعارضة السورية، في اعتصام أمام السفارة الروسية في بلادهم، وهم يحملون رسوماً قبيحة لصورة الرئيس ميدفيدف، ولافتات تندد بروسيا"- أشارت الخبيرة بشؤون الشرق الأوسط- يلينا سوبونينا في13 أيلول -على صفحات جريدة "أنباء موسكو" . تتفاقم الحيرة كذلك، لدى أبرز وسائل الإعلام العربية. إذ يُذكّر الصحافيون باستجابة موسكو اللاسعيدة لسقوط نظام حسني مبارك في مصر. وكيف أنها لم تستعجل لإقامة علاقات مع السلطات الجديدة. وكيف كانت استجابتها مزدوجة تجاه الحالة  الليبية.  وهكذا يتضح من الحالة الليبية أن "الربيع العربي" انقلب ضد روسيا. أجل بدأت العملية منذ سقوط صدام في العام 2003، واستمرت مع حسني مبارك ومعمر القذافي، وقد تنتهي بانتصار المعارضة السورية (روسيا تحاول جاهدة التصدي لهذا السيناريو). وفي هذا السياق، يشكل سقوط النظام المصري قيمة رمزية. وعلى الرغم من أن مبارك لم يكن في عداد حلفاء موسكو المخلصين، بل مرتبطاً بشراكة دائمة مع واشنطن، أقامها سابقه في المنصب، فقد كان آخر الزعماء في العالم العربي، ممن تلقوا التعليم في الاتحاد السوفياتي، وكان قادراً على الإفصاح بالروسية أيضاً. في آذار 2008، أثناء حديث لوكالة "ريا نوفوستي" أشار مبارك بفخر:"لم أنس اللغة الروسية وغالباً ما أتحدثها، حينما أتباحث مع الشخصيات الرسمية الروسية". وقبل ذلك بإحدى عشرة سنة قال في حديث لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" :"إن الشيوعية والاشتراكية، ظواهر تقدمية". فليس محض صدفة أن يكون أكثر الزعماء العرب حرصاً على عودة روسيا ما بعد السوفياتية إلى الشرق الأوسط. الأمر الذي أدى لتحفيز العلاقات الثنائية بين البلدين، في عهد بوتين.

بعد سقوط مبارك والقذافي، لم يبق من "الإرث السوفياتي" في أصول موسكو، سوى ابن حافظ الأسد، الذي أنهى دورة تأهيلية حربية في الاتحاد السوفياتي. وأبو مازن (محمود عباس)، الذي دافع عن أطروحة حول تاريخ الصهيونية، هناك أيضاً. لكن، وحسب الكثيرين من المحللين العرب والغربيين، فإن  مركز ثقل "الثورة العربية" بعد سقوط القذافي، انتقل إلى سورية، وإن قدر نظام الأسد محتوم. أما أبو مازن، فيشكل زعامة إسمية، لا ترقى إلى وزن الديكتاتوريات الساقطة، في االعراق ومصر وليبيا. فحتى الكثيرين من نشطاء منظمة فتح التي يرأسها، لايخضعون له في الواقع. ناهيك عن القوى السياسية الأخرى في مختلف المناطق. زد على ذلك، أن أبو مازن يُنصت إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أكثر بكثير من استماعه لروسيا. وأحياناً يتجاهل مصالحها تماماً. وفي الوقت الراهن، يقوم أبو مازن، قبيل توجهه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل إعلان الدولة الفلسطينية، بالتنسيق حثيثاً، مع الأوروبيين، بينما أرسل إلى موسكو شخصيات اجتماعية، قل من يعرفها.  وهكذا، كما سُحقت سلطته من قبل "حماس" في قطاع غزة- 2007، قد يأتي إلى السلطة بديلاً عن شركاء موسكو القدامى، في مصر وليبيا وسورية، إسلاميون. خشيتها من هذا بالذات، تفسر مؤازرة موسكو لنظام الأسد. لقد أعلن الرئيس ميدفيدف في 9 أيلول الجاري، أن في صفوف المعارضة السورية متطرفين، وصفهم أيضاً "بالارهابيين". غير أن هذا الموقف، يؤكد مرة أخرى، على المعيار المزدوج لسياسة الكرملين الشرق أوسطية. فليس من الواضح، ماالهدف من وراء الاعتراف "بحماس"- الفرع من جماعة الإخوان المسلمين الدولية- من قبل روسيا في العام 2006، ودعم الاتصالات معها على أعلى المستويات. واليوم تناهض قطعاً أنصارها السوريين والليبيين؟!

لكن، من وجهة نظر المصالح الروسية، فإن خشيتها من تطور الأوضاع في الشرق الأوسط لها ما يبررها. فقد ينجلي "الربيع العربي" عن نتائج تحمل أبعاداً ثلاثة: أولها- إن سقط نظام الأسد، ستعدم موسكو تماماً موطئ قدم لها في العالم العربي. وهذا سينعكس سلباً على اقتصادها، لجهة فقدانها مشاريع ضخمة في مجال توريد السلاح، واستثمار مصادر الخامات وبناء البنى التحتية؛ ثانياً- إن "الربيع العربي" على أية حال، حتى دون وصول الإسلاميين للسلطة، سيساعد على ازدياد تأثيرهم في المنطقة. وهم دون ذلك، لا يعدمون النظرة العدائية نحو موسكو. فالعديد من زعماء الثورة الحاليين، في ليبيا ومصر، كانوا  يقاتلون ضد الروس في أفغانستان. والآن يتسخن مزاجهم المناهض لروسيا، على نار دعم الأخيرة "حتى النهاية" لألد أعداء الإسلاميين: مبارك والقذافي والأسد. وكنتيجة متوقعة، يتعزز بشدة موقف الإسلاميين المتشددين في الشرق الأوسط مع نهاية الثورة، مشحوناً بتجديد نشاطهم في الجهاد بشمال القفقاز؛ ثالثاً- إن فقدان المواقع في العالم العربي، والدفع الدوري الذي يصب في مجرى الجهاد في جنوب روسيا، ليس في صالح بوتين البتة. وذلك على أعتاب الانتخابات الرئاسية الروسية. فاستعادة النفوذ في الشرق الأوسط، وتهدئة القفقاز، كانت إحدى أهم رموز مرحلته.

إذن والحال هذه، خاصة عند سقوط الأسد، قد تبقى إسرائيل الشريك الجدي الأوحد لروسيا في المنطقة. على الرغم من ذلك، تواصل موسكو سيرها وفق خطها التقليدي في "التسوية" العربية- الاسرائيلية، مع أن هذا ما فتئ يفقد معناه. وعلى خلفية الأحداث الأخيرة في كل من: مصر وليبيا وسورية، فإن دعم المبادرات المناهضة لإسرائيل في الساحة الدولية، خاصة في هيئة الأمم المتحدة، لن يغير العلاقة السلبية للزعماء العرب الجدد تجاه روسيا. وفي حين الحالات الحرجة، ، قد تؤلب نتيجة التصويت مثلاً: لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، على قرار الاعتراف بدولة فلسطين، مزاج تل أبيب ضد المضي في تعزيز التعاون مع موسكو. أي أن الأخيرة قد تخاطر أن تبقى دون شركاء لها في الشرق الأوسط.