إلى أين يذهب العالم؟

ترجمة: 

في القادم من السنوات القريبة يخيم تهديد بنشوب حرب المصادر والثروات. ومن أجل تجنب هذه الكارثة، لا بد من خطة جذرية تغير ثقافة الاستهلالك. وفي الغالب ستتجه النخب المالية العالمية، لحل جميع مشاكلها، وفق سيناريو الحادي عشر من أيلول 2001.

 

ما الذي ينتظر روسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والصين في المستقبل القريب؟

النائب في البرلمان الأوروبي والمناهض للعولمة - جولييتو كييزا-  يجيب بالقول:

نقف اليوم على أعتاب مرحلة انتقالية، غير مسبوقة في تاريخ البشرية. كان يمكن أن تبدأ منذ عشر سنين خلت. بيد أن أحداث 11 أيلول 2001 في أمريكا أجلت الأزمة سبع سنوات. لتعود في العام 2008. من الصعب التكهن بالمستفيد من هذه المرحلة. لكن الواضح أن تاريخ القرون الثلاثة الأخيرة شارف على الانتهاء. بات جلي اليوم أنه لا يمكن  لبلد أن ينمو ضمن دائرة مغلقة من مصادر الطاقة والخامات. لقد وصل العالم حدوده التنموية. وكل من يقول:  إن النظام القديم سيستمر هو كاذب. فالفحم والنفط، وحتى اليورانيوم، وكل المصادر والمنابع على كوكب الأرض، نفذت تقريباً، ويبقى نفاذها تماماً مسألة وقت. كل ما حولنا ويحيط بنا، وكا ما اعتدنا عليه سيتغير. حضارة النقود ستغيب.

إن الأزمة اليوم، هي أزمة كونية، بما فيها أزمة الطاقة. حتى الماء نستخدم منه أكثر مما تستطيع أن تمنحه لنا الطبيعة. فما الذي سيحدث، حينما سيعاني 300 مليون نسمة فاقة بالمياه؟

إننا نترك مخلفات صناعية، تعجز عن معالجتها أنظمتنا الداخلية. إننا نغير وجهة الطبيعة ذاتها.

يجب أن ندرك أن الديمقراطية التي كانت سائدة تموت. إن نصف أوروبا لا تذهب إلى صناديق الاقتراع. ولا يعود ذلك لجهل في السياسة. بل أعداد عظيمة من المواطنين لاتصل أصوات  ممثليهم إلى السلطات.  لا بد من تشكيل نظام جديد للمجالس المحلية، وأحزاب وحركات جديدة.

لا مناص من العيش تحت راية "التقنين الذاتي" يجب أن نبدأ اليوم بأنفسنا، ونغير نمط حياتنا. تلزمنا ثورة ثقافية بنيوية سياسية. من الضرورة بمكان خفض إنفاق الطاقة.

إنهم يسيطرون علينا ويتحكمون بنا، إنهم يجعلون منا حمقى وبلهاء. لقد حولوا الناس إلى أدوات للشراء. إنهم يتحكمون بعقول الغالبية العظمى. نحن نعيش من أجل السوق، عندما نعمل وعندما نستريح. يُملون علينا ما يجب فعله. لسنا أحراراً. إن وسائل الإعلام تفضل الصمت إزاء هذا، والتلفزيون يبث 24 ساعة في اليوم، مشيراً علينا ما الذي نشتريه، ومقياس القيم لدينا- مقدرتنا الشرائية. إن ما يبثه إلينا التلفزيون لا يحمل أكثر من 8% فقط من المعلومات، وما تبقى إعلانات وترويج وتسلية. أمّا ما يصيغ شخصية الإنسان في الوقت الراهن، فهي نسبة 92% هذه. لقد كانت الشخصية الآدمية منذ خمسين سنة تصاغ وتتشكل في المحيط الأسري والمدرسة، وأحياناً في الكنيسة. أما اليوم فـ 90%  من فكر الشباب يصوغه التلفاز. لقد صار التلفاز أهم بنية ثقافية في جميع أركان العالم. إن وسائل الإعلام، هي الحقوق الأساسية للبشر، ولا يمكن أن تكون مخصخصة. لا بد من ردها إلى الدولة والشعب. كما يجب تأميم سائر المصارف، التي تصدر الأوراق النقدية. فنحن نفقد السيطرة على النقود.

في منتصف كانون الأول من هذا العام (2011)، نشرت "نيويورك تايمز" على صفحتها الأولى مقالة، جاء فيها: أنه يلتئم شهرياً في أحد مطاعم "وول ستريت" اجتماع يضم تسعة من مديري المصارف العالمية (غولدمان ساكس، يو بي اس، بانك أوف أميريكان، دويتشه بنك...). يتخذ هؤلاء التسعة قرارات تمس ستة مليارات من البشر: أي نسبة بطالة في العالم يجب أن تكون، وكم من البشر سيموتون جوعاً، وكم من الدول يجب أن تسقط، وكم وزيراً سيتم شراؤه؟ الخ.. إنهم مجرمون محترمون، لكنهم متنفذون أكثر من أي زعيم سياسي في العالم، لديهم السلطة الفعلية- السلطة والمال.

وفي العام 1998 نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية وثيقة تحت عنوان:"مشروع العصر الأمريكي الجديد". تضمنت هذه الوثيقة نبوءات، تشير أنه في العام 2017 ستشكل الصين أكبر تهديد للولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ما يحصل حالياً. إذ بقي من الفترة المستشرفة ست سنوات فحسب. بيد أنني أرى أن أكبر مصدر للتهديد حالياً- هي نيويورك، و "وول ستريت" والولايات المتحدة الأمريكية. لقد مات الدولار اليوم، وأمريكا مفلسة. لكنها مفلس مسلح جيداً. وبالمناسبة، فإن الهجمات الاقتصادية على اليونان وإيرلندا، أثيرت وتم التحريض عليها فقط، لجهة التقليص من سيادة العملة الأوروبية على وجه الخصوص، وأوروبا بوجه عام.

فواقع الحال يقول، إن اليورو أقوى من الدولار. على الأقل لأن ديون الاتحاد الأوروبي أقل من ديون أمريكا.

أما في الشأن الأوروبي، فلا أظن أن سياسة التعددية الثقافية قد فشلت. كما أن "تهديد الإسلام الأصولي"- هو اختراع أمريكي، انطلق بعيد أحداث 11 أيلول 2001. لقد اختلقنا فكرة تصدير الديمقراطية بأنفسنا، والعراق وأفغانستان برهنتا عدم قابلية هذه الفكرة للحياة. وكذلك كانت فكرة الغرب أن سائر الدول يجب أن تسير على ذات الطريق التي سار عليها، خطأً.

لأن العالم الإسلامي يعيش في عصر ونحن في غيره. وليس هذا ذنبهم. ذلك أن مقياس الشعور بالزمن والحالة متباينة تماماً. مع ذلك، فنحن من أسس للعولمة، ونحن من استولى على مصادرهم وثرواتهم.

إن أوروبا راهناً بحاجة فعلية إلى 20 مليون من المهاجرين. لكنه ليس باستطاعتنا استقبالهم. فيتوافدون دون أية إمكانية لأن يعيشوا بصورة طبيعية. لا بد أن ندرك بأن العولمة هي حركة تنقل البشر، وهذا يعني تنقل الثقافة معهم.

أعتقد أن أوروبا(الاتحاد الأوروبي) كظاهرة سياسية وثقافية، ستواصل سيرورتها. وبالطبع، الأحداث والعمليات التي تجري عليها معقدة جداً. فما سبق أن اتحدت 27 دولة بطريقة سلمية. زد عليه، أن نصف هذا الاتحاد "أوروبي" ونصفه الآخر "أمريكي" (أوروبا الغربية والشرقية). وأن أزمتها الحالية هي أقسى فترة من تاريخها.