ثقافة النص في الرسم الكاريكاتيري وتأويلات المتلقي

بحث مقدم للمؤتمر العلمي الدولي "النص بين التحليل والتأويل والتلقي"

  "ثقافة النص في الرسم الكاريكاتيري وتأويلات المتلقي"

 "The Text Analyzing, Interpretation and Receiving"

  إعداد

د. عاطف سلامة

Dr. Atef Salama

 مدير دائرة الإعلام المجتمعي – وزارة الإعلام

 Email: Atef207@hotmail.com

ملخص البحث

"ثقافة النص في الرسم الكاريكاتيري وتأويلات المتلقي" 

      جميعنا يعرف الدور الذي يلعبه الكاريكاتير كأداة للتواصل بين المجتمعات على اختلاف علومهم وأفكارهم ومشاربهم ولغاتهم وجنسياتهم, لما فيه من أهمية وجدية تعكس الحياة السياسية والاجتماعية بهدف إثارة قضايا مركزية ذات اهتمام مشترك, في محاولة لاستكشاف رؤى قادرة على استثمار كل أدوات المعرفة ومرتكزاتها وكشف ما وراء الأحداث لهذه الأسباب.  كثير من فناني الكاريكاتير تعرضوا لإهانات واعتداءات, وآخرين قدموا حياتهم رهناً لهذا الفن, فخسروا الرهان.

         السؤال الذي يطرح نفسه, لماذا يحدث كل هذا مع فناني الكاريكاتير؟ هل هم أناس بشعون؟ وكيف هذا, إذ أنهم يثيرون الضحك؟ وهل الضحك فعلاً سلاح مخيف؟!

         هذا ما يثير الرغبة في النفس للدراسة والبحث والغوص في أعماق هذا الفن الخطير, الأقوى والأشد في أساليب الدعاية والإعلام فعالية, ولإلقاء الضوء على آليات فهم النص الكاريكاتيري وتجليات تكونه وأنواعه من جهة, ولغياب الدراسات العلمية المتخصصة والعميقة في هذا المجال من جهة أخرى كان لابد من دراسة موضوع هام كهذا.

 

"The text analyzing, interpretation and receiving"

All of us know the role the caricature plays as a mean of communication between societies in spite of the differences in their, ideas, trends, languages nationalities, and because of its importance and seriousness that reflects the social and political life, aiming to raise central issues with common interests in attempt to explore views able to investigate all tools of knowledge and its centers and discover what is behind events. For all these reasons, many of the caricaturists were exposed to insults and assaults, and others give their lives in pledge to this art but lost it.

The question that puts itself forward is: why does all that happen with the caricaturists? Are they ugly? How come! They make us laugh? Is laughing really a terrified weapon?!

That is what elicits the desire inside us to study, search and dive into this dangerous art, the most powerful and effective in propaganda, and media methods. To shed lights on the procedures of understanding the caricaturial text, its forming and kinds from one hand and the absence of the deep and specialized scientific studies in this field from the other hand, it was obligatory to study such important subject.


مقدمة

يعتبر فن الكاريكاتير الأكثر شعبية بين باقي الفنون التشكيلية الأخرى، فهو يحظى باهتمام واسع من قِبل القراء، ولكنه الأقل إثارةً والأكثر إهمالاً من قِبل النقاد والباحثين، الذين يعتبرونه ابناً عاقاً للفنون التشكيلية، فهو رغم انتمائه بالوراثة إليها؛ إلا أنه يرتبط بالصحافة أكثر منها، ورغم هذا الإهمال إلا أن الكثيرين من فناني الكاريكاتير تعرضوا لإهانات واعتداءات، وآخرين قدموا حياتهم رهناً لهذا الفن، فخسروا الرهان، فالقائد الفرنسي "نابليون بونابرت"كان على استعداد لأن يتصالح مع ملك انجلترا، ولكنه ما كان ليغفر لفناني الكاريكاتير الإنجليز.  في الحرب العالمية الثانية، أعدم "هتلر"الكثير من فناني الكاريكاتير الفرنسيين بعد احتلال ألمانيا لفرنسا، وقطع وعدا على نفسه بأن يعدم فناني الكاريكاتير السوفيات "كوكرينسكي" في حال احتلال موسكو، وما فناننا الشهير "ناجي العلي" إلا ضحية أخرى من ضحايا مناهضي فن الكاريكاتير على يد الموساد الإسرائيلي في لندن عام1987.

إن حرب قوى الشر ضد فناني الكاريكاتير لم ولن تتوقف ،فمنذ ظهور الكاريكاتير كفن ؛وحتى يومنا هذا والأحداث تتوالى.

في الاتجاه الآخر فإن ارتباط الكاريكاتير بالصحافة فرض عليه تنفيذ أهداف محددة، وبالتالي استخدام أدوات محددة،قد تكون أدوات تعبيرية أدبية (تعليق أو نصّ أدبي مطول أحياناً) وهذا لا يقلل من أهمية الرسم الكاريكاتيري؛ إذ أن "النصّ الساخر" بحاجة إلى مهارة ليس بأقل من المهارة المطلوبة في الرسم التشكيلي الساخر.

إن وجود "النصّ" في الرسم الكاريكاتيري يأتي لتفعيل مضمونه الكوميدي أكثر وهذا لا يعني أبدا الهجوم على الكاريكاتير الخالي من "النصّ الأدبي".  يوجد فارق إن كان هناك نص ذو بنية ساخرة متقنة ومنفذ بمهارة مستخدم من باب التفعيل لا من باب العجز، وهذا ما يستطيع "المتلقي" تحديده دون بذل جهود خاصة، و إلا فإن النصّ الضعيف المستوى سيكون بمثابة (عكاز) يتعكز عليه الرسم ويشكل ثقلاً عليه.

هذا، وغيره، ما يثير الرغبة في النفس للدراسة والبحث والغوص في أعماق هذا الفن الخطير، الأقوى والأشد في أساليب الدعاية والإعلام فعالية، ولإلقاء الضوء على آليات فهم "النصّ الكاريكاتيري" وتجليات تكوينه وأنواعه من جهة ولغياب الدراسات العلمية المتخصصة والعميقة في هذا المجال من جهة أخرى ،كان لابد من الدراسة والبحث في موضوع هام كهذا.


القسم الأول: تاريخ فن الكاريكاتير

الجزء الأول: ماذا تعني كلمة كاريكاتير (نصوص تعريفية)

الكاريكاتير أو الكاريكاتور (ماير، 364:1973)، كلمة إيطالية ذات أصل لاتيني "Caricature" وهي مصطلح ثقافي يعبر عن تصوير فني ساخر لطباع وصفات وتصرفات وأوضاع بشرية معينة من خلال أنه يتناول النمطي فيها بمبالغة هجائية لاذعة، ويجعلها بتحريف صائب؛ عرضة للهزء، ووسائله في ذلك اختزال الموضوع إلى علاماته المميزة، ومن ثم تضخيم هذه المميزات، وفن الكاريكاتير كان دائماً وما زال نظرة تهكمية غريزية تعتمد على دقة الملاحظة وسرعة البديهة, مع نظرة تنقب عن السخرية في المواقف, من خلال تقاطيع الوجه وتعبيرات الجسد في شكل مختلف عن الواقع, ويهدف إلى الرمز في خليط من المبالغة مع الحفاظ على الشخصية والشبه في آن واحد.

واصطلاح كاريكاتير يعني بذل كل الجهود، أو المبالغة والمغالاة، ومع تعدد الآراء حول تعريف الكاريكاتير فهو: صورة، رسم، وصف، أو تصوير وتشخيص هزلي نتيجة لمزج الواقع بالخيال (سلامة، 2004)، وهو فن تصويري ورسم تشخيصي من الفنون الجميلة، وعادة ما يكون رسم (بنصّ أو بدون نصّ) ويسمى بالشكل الأساسي "التصوير الهجائي"، يحتوي على ظواهر عديدة مضحكة، اجتماعية أو سياسية.. الخ. سواء لأشخاص حقيقيين أو لصفاتهم أو بالاستعاضة عن تشخيصهم بطريقة تجعلك تتعرف عليهم عن طريق سلوكهم مثلا أو مقولاتهم المشهورة.. الخ.

وفي تعريف آخر، فالكاريكاتير، أنموذج فني وطراز يعتمد على الصورة الهزلية، وعلى المبالغة الفنية الساخرة للنقد الموجه، ونزعة المبالغة هنا للإشارة إلى النواحي السلبية للظواهر الحياتية للأشخاص، ومن أهم مميزات الكاريكاتير الخاصة والملازمة له: إظهار الصورة الهزلية كفن من الفنون الجميلة، لذا فإن فنان الكاريكاتير يستطيع طرح الكثير من الموضوعات، مازجاً الواقع بالخيال، موضحاً المبالغة والحدة للصفات المميزة للشخصيات المعروفة، للوجوه والملابس والأنماط المختلفة لتصرفات أناس محددي الهوية (سلامة، 2004).

الأديب الروسي العالمي "مكسيم غوركي" (1936-1868) قال: فن الكاريكاتير ذو قيمة اجتماعية نافعة ،يعكس أشياء مختلفة غير منظورة بوضوح لنا،وبإسلوب بسيط، يعكس لنا وجوها وملابس وأنماطاً جديدة معينة لتصرفات أناس يعيشون بيننا، عدا عن الطرق الملتوية التي يخوضها فنان الكاريكاتير، والتي عادة ما تكون لأبطال معروفين أو لمرشحين أو رؤساء أو وجوه لمواطنين غير راغبين بأن يكونوا أبطالاً (سلامة، 16:1999).

يقول فنان الكاريكاتير المعروف جلال الرفاعي: فن الكاريكاتير، هو عبارة عن تعبير يتجاوز الكتابة أحيانا، لأنه يتيح للمتلقي قدراً من المشاركة؛ خصوصاً حين يكتفي بذاته وبعناصره، ويستعيض عن اللغة بشيفرة من الخطوط تختزل مالا تقوى ثرثرة المتلقي عن إنجازه، فهو فن ألا امتثال ،يصدُق عليه ما قاله "لوكاتش" عن السخرية بصفتها سلاحا ومقاومة،والكاريكاتير كفن، فهو أحد المضادات للثرثرة، فهو إذ يجازف في تقطير الخبرة واختزال المعرفة؛ إنما يضيء الذاكرة ويذكي الخيال؛وبالتالي يتيح "للمتلقي" حصة من الإبداع (الرفاعي، 7:2000).

أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عادل حمودة يعَرّف فن الكاريكاتير،بأنه فن مشاغب،مشاكس، يجرح ولا يدمى،يوقظ ولا يقتل،لكن في مثل هذا الواقع العربي المرير الذي يختلط فيه الهزل بالإهانة، نجد أن فن الكاريكاتير يتجاوز السخرية إلى تعليم الناس وإقناعهم بالثبات على مواقفهم، ويحاول أن يعيد إلى "المتلقي" الحقائق المفقودة والبديهيات التي ذابت في الغيوم (حمودة، 2004).

وفي تعريف آخر فإن فن الكاريكاتير: هو رمزية يلجأ إليها الفنان لكي يعبر بها عن ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية بصورة جذابة ؛تلخص العديد من الأفكار الأخرى ،وهو بالأساس فن السخرية والتهكم ،وأن موهبة الكاريكاتير تستدعي وجود عين لاقطة تستأثر بالأشياء المحيطة به وتستلهم بالأفكار الاجتماعية وغيرها ،مما يلبي حاجة الرسوم والموضوعات وبالتالي "المتلقي" (عطا الله، 2005).

الجزء الثاني: الجذور التاريخية لفن الكاريكاتير

لأهمية فن الكاريكاتير وتطوره السريع ،اختلف الباحثين حول الأصول الأولى لفن الكاريكاتير ونسب جذوره الجيوبوليتيكية.

الباحث الفرنسي "رووا" يقول:" أن جذور فن الكاريكاتير قديمة جدا ، وهي عبارة عن حركة بدائية في التصوير والتشخيص الفني ، ويمكن القول أن جذوره الأصلية انطلقت في العهد القديم ، عندما بدأ  قابيل بالسخرية من أخيه هابيل، والدليل بأن أختهم أحبت هابيل أكثر من قابيل ، فعندها أصبح قابيل يرسم معلقا على رسوماته "بالنصّ" (والتي كان يقصد بها هابيل) بجمل حادة قبل أن يجهز عليه ويقتله (سلامة، 1996).

ويقال أن المهرجين في القصور الملكية كانوا يتخفون أمام الملوك واضعين على وجوههم الأقنعة بطريقة  ساخرة تثير الضحك(أنظر الملحق، رسم رقم1) ويقومون بعمل الحركات الإيمائية الهزلية أمامهم، ما يثير إعجاب الملك وحاشيته (حمادة، 9:1999).

ويقال أن فن الكاريكاتير انطلق من مأواه الحقيقي "القصور الملكية"، بناء على ما وُجد من آثار أثبتت ذلك، ومنذ ذلك الوقت صنف الكاريكاتير كأحد أنواع الفنون التشكيلية الجميلة، وأعتبر أحدها، فضموه لصفوفها.

وفي رواية أخرى (من وجهة نظر المحتوى الهجائي)ممكن القول :"أن أصول الكاريكاتير بدأت من المقبع الأصلي، ألا وهو الحضارتين القديمتين اليونانية والرومانية (سلامة، 1994).

يقول فنان الكاريكاتير المصري "عثمان بهجت": أن فن الكاريكاتير قديم حديث، وأن بداياته قديمة جداً، بدأت من أيام الفراعنة، فهناك برديات كثيرة عليها رسوم كاريكاتيرية تتحدث أيضا عن انقلاب الأوضاع، عليها مثلاً فرس النهر واقف بحجمه الكبير على شجرة، أو طائر يضع سلما على جذع شجرة ويحاول أن يصعد على درجاته، أو الذئب في صورة راعي الغنم (أنظر الملحق،رسم رقم2).  وهذا نوع من السخرية الراقية جداً.  والظاهر أن انقلاب الأوضاع موجود منذ أيام الفراعنة" (البراج، 1995).

لقد جسد الفراعنة صوراً ساخرة وأوضاعا معكوسة، ورؤى غريبة، وواقع مضطرب، وأحوال لا معقولة ثبتها المصري القديم بأنامله على ورق البردي وبقايا الأواني الفخارية واختزنها الزمن في وعائه العتيق، من ذلك:قط بري يرعى الإوز ،أسد يلاعب حمارا الشطرنج ولسان حاله يقول: "كش حمار" (أنظر الملحق، رسم رقم3).  مجموعة من الفئران تمرح وترقص تنافق قطا يقف في زهو وخيلاء اوركسترا موسيقى مؤلف من مجموعة من الحيوانات: حمار يقف على رجليه الخلفيتين يعابث أوتار آلة الهارب بحوافره الغليظة، أسد يقف فاغرا فاه كأنه يغني بزئيره المخيف ويتدلى لسانه من بين فكيه، قرد ينفخ مزمار مزدوج وهو يمشي، الجدير بالذكر أن كثيراً من التراث العربي الساخر، وخاصة الشعبي لو جرى تصويره فنياً، لأعطانا رسومات كاريكاتيرية حقيقية (الجاحظ، ابن الرومي، ألف ليلة وليلة، جحا، ابن مماتي وشخصية قراقوش) (حسن، 7:1997).

ولكن الكاريكاتير كفن مركب من عنصري التشكيل والكوميديا، أو السخرية له جذوره القديمة الضارية في أعماق التاريخ، لدرجة تدفع بعضهم للقول إن الكاريكاتير ولد مع ولادة الإنسان، ويمكن العثور على الرسوم الكوميدية في آثار تعود حتى لحضارات وفنون ما قبل التاريخ؛ حيث كان الإنسان يصور على جدران مغارته، وعلى الصخور حياة الحيوانات المحيطة به وحياته الشخصية، وقد عثر على الكثير من الرسوم التي تحتوي على عناصر الكوميديا والسخرية على الكثير من جدران الكهوف في فرنسا وإيطاليا وأمريكا الجنوبية والجزيرة العربية والصحراء الجزائرية وقبرص وفي الكثير من الأمكنة الأخرى.

ولعل أبرزها ما تم العثور عليه هو تلك الرسوم المنفذة على الصخور والتي عثر عليها بكميات كبيرة في الصحراء الجزائرية. (أنظر الملحق، رسم رقم4)

ورغم أننا نجد بعض نماذج لرسوم كاريكاتورية فرعونية أو إغريقية، فإنها -كما تقول دائرة معارف الشعب - "لم تكن تعتمد عادة على تصوير الأفراد والشخصيات؛ بل كانت سخريات ضاحكة من الضعف البشري على وجه العموم غير موجهة إلى أشخاص بالذات". أصبح الكاريكاتير فناً عندما وجد الفنان الحقيقي الذي يعطيه حياته، وعندما أصبح له - للكاريكاتير ولفنانه - دور هام في المجتمع.. وتحدد دائرة المعارف اسم الفنان الإيطالي "أنيبال كاراتشي" (1609-1560) كأول مَن رسم في التاريخ الحديث صوراً باعثة على الضحك تمثل بعض الناس المحيطين به، ومن اسمه اشتق لفظ الكاريكاتير". وبعده جاء فنان إيطالي آخر هو "بيترو جيزي(1755-1674)"  ليجعل الكاريكاتير أحد الفنون الشعبية برسومه التي اتسمت بخفة الدم والقسوة الشديدة معاً.  أما استخدام الكاريكاتير كسلاح سياسي؛ فجاء على يد الرسام الإنجليزي "جورج تاونسهند" الذي عُرِف باسم "المركيز"، ونال شهرة كبيرة في بلاده.. ولكن مؤسس المدرسة الإنجليزية في الكاريكاتير هو "وليم هوجارث".. فقد اتصفت رسومه بقدرة نفاذة على نقد عيوب المجتمع بما فيه من فساد وحماقة... ومن معطف هذا الفنان خرج رواد المدرسة الإنجليزية في الكاريكاتير أمثال: "توماس رولاندسون"و"جيمس جيلراي"، وقد استخدم أفراد هذه المدرسة الكاريكاتير كسلاح مباشر لمهاجمة خصوم الأحزاب السياسية التي ينتسبون إليها، ويعملون لحسابها.  أما المدرسة الفرنسية فبدأت بالفنان "شارل فيليبون" (1806-1862) الذي أسس عام1830  مجلة أسبوعية باسم "الكاريكاتير"، ثم أصدر بعدها بعامين جريدة يومية باسم "الشاريفاري".. وكانت المجلة والجريدة معارضِتَيْنِ قويتَيْنِ للحكومة، واشتهر من خلالهم عددا من الفنانين أهمهم على الإطلاق "أونوريه دومييه" (1808-1879) الذي يُقَال إن "كل الكاريكاتير الحديث استوحى اتجاهه من فنه"..  وهو أول فنان يدخل السجن بسبب رسم كاريكاتوري يسخر من الملك "فيليب" وذلك سنة 1832؛ لكنه واصل هجومه بعد خروجه من السجن، ويعتبر دومييه صاحب أكثر رسوم الكاريكاتير رشاقة وحيوية حتى اليوم.  كان رسامو الكاريكاتير يركزون على رسم الشخصيات المشهورة ليسهل على الناس التعرف عليها، لكن مع انتشار الصحف اليومية والأسبوعية، ووجود الكاريكاتير كأحد أبوابها الرئيسية الجذابة، أخذ هؤلاء الرسامون يقدمون شخصيات اجتماعية رمزية يمكن استغلالها في التعليق على الأحداث الاجتماعية أو السياسية أما في الولايات المتحدة الأمريكية فنلاحظ أن الكاريكاتير له شعبية كبيرة جدًّا، في الصحف والمجلات، وفي الكتب المصورة، وفي أفلام الكارتون؛ بل وفي الإعلانات أيضاً.. لكن مدرسة الكاريكاتير الأمريكية تتميز بأنها سطحية لا تهدف إلا إلى الإضحاك، ليست لها -غالباً- السمة السياسية ولا العمق الاجتماعي للمدرستين الفرنسية والإنجليزية.  ويلاقي الكاريكاتير إقبالاً كبيراً في كل بلاد العالم، وتُخصَّص له مجلات مستقلة مثل مجلتَيْ: "شانكارز" الهندية، و"كاريكاتير" المصرية.

الجزء الثالث: تطور فن الكاريكاتير(رحلة الكاريكاتير)

يعتقد علماء الآثار أن رحلة الكاريكاتير بدأت قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة (حمادة، 42:1999)، فلقد وجدوا رسومات على تابوت"رمسيس الخامس" تصور أناسا حقيقيين ،من أمثلتها (الرب أزوريس) الذي عاقب "رمسيس" وأمر بتصويره على شكل خنزير لكي يعود إلى الأرض مع قردين برأسي كلب، وكذلك وجدوا تصويراً للرب "سيت" وهو مصور بشكل وحشي مع تعليق "سيت الملعون" لأن سيت قتل أخاه أوزوريس وألقى بجثته في نهر النيل (سلامة، 43:1999).

وهكذا انتقل الكاريكاتير كفن،من الفراعنة إلى دولة الفرس والإغريق والرومان ؛مرورا بظهور السيد المسيح إلى أن ظهرت الطباعة في ألمانيا على يد "جوتينبيرغ "و"كوستا" في عام 1440 في منتصف القرن الخامس عشر،وبعدها أصبح من الممكن تداول أعداد من النسخ المطبوعة للرسم الواحد، مما أدى هذا التطور التقني إلى بداية شيوع فن الكاريكاتير المرسوم بعد نصف قرن من ظهور الطباعة؛ وكان ذلك ما بين عامي (1559-1500).

من الناحية الفنية؛ يقال أن "ليوناردو دافنشي" (1519-1452) والرسام الألماني "درورر" (1528-1471) ساهما في تطور الكاريكاتير، من خلال دراساتهما لعالم الوجه بمنحى كاريكاتيري (حسن، 12:1999) ثم طوّر ذلك بتطبيقه على أشخاص محددي الهوية، الرسامان الإيطاليان "كراتسي"  (1602-1557)و"برنيني" (1680-1598).  واستخدم الهولندي "بروغل" (1652-1568) والفرنسي "كالو" (1635-1592) الشغل على النحاس لفضح الأحوال الاجتماعية السيئة؛ بذلك كانا دليلين لرسومات ونقوش الناقدين الاجتماعيين الإنجليز "هوغارت، كروكشانك، جيلاري، رولاندسن"، الذين أصبحوا بدورهم في القرن الثامن عشر/التاسع عشر الممّهدين الرئيسيين لطريق الكاريكاتير الحديث فقد لعبوا دورا محفّزا للكاريكاتير الألماني في حروب التحرير "شادوف" (1764-1850)، وخاصة الكاريكاتير الفرنسي بعد عام 1830 (اسماعيلوف، 118:1991).


تطور فن الكاريكاتير في الوطن العربي

المعروف أن مصر تميزت منذ بدء العصور الأولى للتاريخ؛ بأن شعبها أحب النكتة، وكذلك الفنون التشكيلية إجمالاً، بدءً من العمارة والنحت والتصوير والزخرفة وصولاً إلى الكاريكاتير، في معظم فصول قصة الكاريكاتير حدثت في مصر.. كانت البداية مع مجلة "أبو نظارة" النقدية الفكاهية التي أصدرها "يعقوب صنوع"، واستعان فيها برسوم كاريكاتير لفنانين إيطاليين.. ثم زاد الاهتمام بهذا الفن.. إلى أن صدرت مجلة  "الكشكول" التي احتوت رسوماً بديعة لفنان الكاريكاتير الأسباني المتمصر "جوان سانتيز.."، وفي سنة1925  زار مصر واستقر فيها الفنان الأرمني "صاروخان"، وفي نفس الفترة ظهر الفنان التركي "علي رفقي.." وعلى يد هؤلاء الثلاثة نشأت المدرسة المصرية في الكاريكاتير.

يقول بهجت عثمان :"إن الكاريكاتير جاء مصر من الشام في أواخر القرن الماضي ،مع "أبو نظارة"(يعقوب بن صنّوع) ومجلته الفكاهية (رسماً وكتابة) والتي تحمل نفس الاسم (البراج، 1995).

يعتبر "يعقوب بن صنّوع" هو أول من استخدم فن الكاريكاتير بمفهومه الحديث في مجلته الشهيرة "أبو نظارة"، إنما في مطالع القرن العشرين، ومنذ عام 1925، ولمدة نصف قرن، برز "صاروخان" الأوروبي الأصل الذي هاجر من روسيا القيصرية واستقر في مصر، حيث عمل في مجلتي "روز اليوسف" و"آخر ساعة"، كما عمل في مجلات أخرى، كان آخرها "أخبار اليوم إلى أن توفي عام 1976 (إبراهيم، 1996).

في سوريا صدرت أول صحيفة هزلية باسم (ظهرك بالك) عام 1909 (الموقف العربي، 1983)، وظهر عدد من رسامي الكاريكاتير أمثال: "توفيق طارق، وعبد الوهاب أبو السعود، وعبد اللطيف الضاشولي، وعلي أرناؤوط، وسمير كحالة، وممتاز البحرة وأمين خلف وعبد الهادي الشماع"... وغيرهم.

في المرحلة الجديدة من تاريخ الصحافة السورية برزت أسماء جديدة في فن الكاريكاتير، أهمها على الإطلاق  الفنان "علي فرزات" (عيسى، 12:1987).

 في النصف الثاني من السبعينات وصل "علي فرزات" إلى قمة تطوره في فن الكاريكاتير، من حيث الشكل والفكرة معاً.  ففي الشكل زالت تقريباً التفاصيل في الرسمة، واختزلت الخطوط برموزها وإشاراتها حلت محل الكلمات (النصّ أو التعليق).  في نفس الوقت، ومن ناحية المضمون، اشتدت المفارقة وبالتالي اللذعة في تعبيراته، حتى أصبحنا نرى في مجرد الخطوط لكثير من رسوماته نكات مكتملة الشروط الفنية، إنما نكات مضحكة مبكية في هذه الفترة (السياحة السورية، 1986).

تطور فن الكاريكاتير في فلسطين

بدأ الكاريكاتير في الصحافة الفلسطينية بالاعتماد على ما يمكن استنباطه من آلية الفعل والتفاعل اليومي في هذه المهنة، حيث لم تكن قد تبلورت المعارف والخبرات على الصعيدين، (الصحافة والكاريكاتير)، ما حتم بالضرورة أن ترى الصحافة الفلسطينية (المحلية خاصة)، صحافة البلدان العربية المحيطة، نماذج يصلح تقليدها، كما فرضت ظروف الاحتلال نفسها، ضرورة أن تستلهم الصحافة الفلسطينية بعض أساليب وطرائق العمل في صحافة البلدان العربية التي أمكن التعرف إليها أو التقرب منها.

لذا، يرى الباحثين أن الصحافة الفلسطينية في معظمها بدأت خطواتها الأولى واستكملت مشوارها على هدى الصحافة اللبنانية، كما اكتسبت ملامح الصحافة السورية (سليمان، 78:1987).

الصحافة الفكاهية في فلسطين

يبدو أن أشكال القمع والاستبداد السلطوي الذي كان يمارسه المتصوفون وعمال الحكومة التركية ضد  الصحافة والصحفيين؛ دفعهم إلى البحث عن أشكال تعبيرية وكاريكاتيرية تمكنهم من تقديم صورة أعمق لتعريف الجمهور بما يقوم به المغتصب من إرهاب، فكان ما عرف بالصحافة الانتقادية الهزلية والفكاهية (نصاً ورسماً).

السيد خليل بيدس كان السباق إلى إنشاء صحافة من هذا النوع في فلسطين، وذلك بتأسيسه مجلة "النفائس" في حيفا عام 1908، وعرّفها بأنها مجلة أدبية فكاهية قبل أن يعدل اسمها إلى "النفائس العصرية" وينقل مقرها إلى القدس في عام1909 (المضحك المبكي، 1993).

النجاح السريع الذي حققه "بيدس" باعتماده  الرسوم الكاريكاتيرية و الأسلوب الساخر؛ شجع الكثير من الصحافيين على الإقتداء به وحذو حذوه باعتماد أسلوب الفكاهة والرسوم والتعليق عليها باستخدام الهزل في انتقاد الحكومة التركية وسياساتها وتصرفات عمالها.

ويمكن تلمس هذا الأمر عبر صدور العديد من الصحف الفلسطينية مثل جريدة "الإنصاف" التي أسسها " الياس بندلي"، وكذلك جريدة "البلبل"، وجريدة "جراب الكردي" لصاحبها "متري الحلاج"، "والأخبار1909 للسيد "بندلي حنا عرابي"، و"الحرية1910 التي أسسها "توفيق السمهوري"، وكذلك جريدة "الحمارة القاهرة"1911 التي أسساها السيدان "خليل زقوت" و" نجيب جانا"؛ غير أنها لم تعمر طويلاً بسبب اختلاف صاحبيها اللذان انفصلا ؛فأسس السيد نجيب جانا جريدة "العصا لمن عصا" عام1912) (سليمان، 107:1987).

وكانت جريدة "أبو شادوف" 1912 آخر الصحف الهزلية الكاريكاتيرية التي صدرت في العهد التركي وكان صاحبها "وهبي تماري، ومحررها "صليباً عريضة".

أما في عهد الإدارتين المصرية والأردنية (1967-1948) كانت الصحافة مكبلة بقوانين غريبة عن فلسطين؛ مما أثر بالسلب على تطور الصحافة بشكل عام والكاريكاتير بشكل خاص.

بعد احتلال إسرائيل للضفة والقطاع؛ بقيت الأراضي المحتلة دون صحف أو مجلات كاريكاتيرية أو فكاهية حتى نهاية 1968 وهو العام الذي صدرت فيه جريدة "القدس" لمحمود أبو الزلف، وجريدة "الفجر" 1970 ليوسف نصري نصر ،و"الشعب" لمحمود يعيش، و"الطليعة" لبشير البرغوثي، و"الميثاق" 1980 لمحمود الخطيب... وغيرها الكثير.

لم تعط هذه الصحف الأهمية الكافية لفن الكاريكاتير، إلا أن بعضها تميز باستخدام الأسلوب الهزلي كـ "نصّ" في محاولة لإثارة القضايا المركزية، في الوقت نفسه أفردت كل من (الميثاق) و(القدس) و(الفجر) و(الشعب) و(الطليعة) مساحة جيدة للرسوم الكاريكاتيرية، وهنا أخص بالذكر (الميثاق) التي كانت تفرد مساحة خاصة لرسم الفنان ناجي العلي.

في الوقت ذاته صدرت العديد من الصحف خارج فلسطين المحتلة، وأفردت مساحة كافية للكاريكاتير بجميع أنواعه، فصدرت مجلة (فلسطين الثورة) 1972 و(الجماهير)1970، أما (الهدف) و(الشرارة) و(الجبهة) و(الطلائع) و(الثأر العربي)و(الحقيقة) و(النضال) و(المقاتل الثوري)فقد صدرت عام1969.

حرصت الصحافة الفلسطينية بعد ذلك على إفساح مساحة خاصة لفن الكاريكاتير، من منطلق أنه مادة صحفية أساسية وهامة من جهة، ومن جهة أخرى كونه عنصر ترفيهي، فقد دأب فناني الكاريكاتير على استحداث رسومهم من الواقع اليومي والمعاناة الدائمة؛ معبّرين عن رأيهم وأفكارهم السياسية والاجتماعية وغيرها؛ عبر خطوط تمثل نقداً لظاهرة ما في المجتمع.

عكَس مبدعي الكاريكاتير الواقع بكل مجرياته، وأخص بالذكر "ناجي العلي"، و"بهاء بخاري"، و"خليل أبو عرفة"، و"جلال الرفاعي"، و"بغدادي"، و"ماهر محمد"، و"أمية جحا"، و"إسماعيل عاشور"، هؤلاء الرسامون مثلوا استراحة للقارئ من عناء قراءة المادة الجافة، فلقد ابتدعوا النكتة الخفيفة ومزجوها بالجد بطريقة مرحة؛ و طرقوا جميع الأبواب السياسية والثقافية والاجتماعية... وغيرها (الحياة الجديدة، 2004).

بعض الصحف خصصت مساحة ثابتة للكاريكاتير، منها (الحياة الجديدة) 1994 لحافظ البرغوثي، و(الأيام)1996 لأكرم هنية، و(القدس) لمحمود أبو الزلف، و(الصباح) 1996 لسرّي القدوة، و(الحقيقة) لعلي درويش القطاوي، و(خالد) لمروان أبو الزلف ؛وهي متخصصة للأطفال وجميع رسوماتها كاريكاتيرية.  والعديد من الصحف والمجلات الأخرى.

قدم "ناجي العلي" الكثير الكثير، ليس للكاريكاتير الفلسطيني فحسب؛ بل للعربي والعالمي، فقد عبّر الفنان عن مخزون الذاكرة وتمسك بالموروث الثقافي ليضيء حقيقة ورثها عن أجداده وتوج بها رؤيته التاريخية، فرسوم ناجي الكاريكاتيرية تجمع بينها رؤية متكاملة، و"حنظلة" الشاهد (الختم) يجسد قيمة أخلاقية ثورية في الحياة اليومية، من خلال سعيه المستمر إلى احتلال مكانة غير المحايد في المشهد التراجيكوميدي، ومن ثم تعميمه على المتلقي (اليوسفي، 87:1993).

للوهلة الأولى قد تبدو المواقف والشخوص في كاريكاتير ناجي ساذجة وعفوية، إلا أنها تخضع دائما لبناء منطقي عقلاني؛ قائم على حسابات دقيقة، قادر على إيصال الفكرة بطريقة إستنتاجية، وهذا القالب القائم على البساطة، يترك  "للمتلقي" أن يجتهد ضمنه كما يشاء، أن يقرأ ويفهم ما يشاء، وأن يستخلص الموقف وأن يحل العقدة (اللغز) كما يشاء.

استخدم ناجي العلي القضاء القاسي في رسوماته، وهما اللونين الأسود والأبيض، فاللون الأسود في معظم رسوماته احتل الخلفية القاتمة المعبرة عن القضاء المأساوي فهو بمثابة مقياس الزمن (المصيبة)، أما اللون الأبيض فهو المدى التعبيري لعفوية الالتصاق بالمكان غالباً؛ فكان ناجي يرتاح إلى تعبئة ثلثي المساحة باللون الأسود وإلى تركيز الفكرة الأساسية في الوسط؛ وإلى توزيع عناصر الحركة على الأطراف، ومن ناحية الرسم فقد أنتج ناجي خطاً تجسيدياً أكثر تعبيراً في منحاه الفني؛ لإيجاد الانسجام والتوافق في العلاقة بين الجزء والشكل؛ أي بين الخط في انسيابه ورقته وليونته والظلال في حركتها المتوترة ،فقدم ما يقارب الأربعين ألف لوحة قبل أن يتم اغتياله في لندن عام1987 (أبو عرفه، 33:1996).

الجزء الرابع: الكاريكاتير، وسيلة للنضال السياسي والعقائدي

ظهرت مجموعة من الفنانين في القرن الثامن عشر، أرسوا الوجود النهائي للكاريكاتير كفن مستقل، منهم الفنان الإنجليزي "توماس رولاندسون" الذي رسم الكثير، ويمكن أن نشير إلى مجموعة رسومه (حراس النظام) التي انتقد فيها الفساد السائد في أجهزة الدولة، والذي طال العدالة والقانون؛ ومنها (انتشار الرشوة في المحاكم) و(الجميع يصلحون أن يكونوا ضباطاً) ويسخر الفنان من السعي الزائف وراء الألقاب والمراتب، وربما يريد أن يقول: أن ما كل ما لبس التاج ملكاً، حيث أن الشخص الذي يرتدي بذة الضابط في الرسم شخص قميء المنظر، قصير القامة، سيفه أطول من قامته، مترهل الجسد وليس فيه شيء من سيم الضباط. (أنظر الملحق، رسم رقم5)

وفي فرنسا ظهر العديد من رسامي الكاريكاتير، كان أهمهم "دومينيه" فناناً ورساماً قديراً فقد سخر في الكثير من رسومه من ملك فرنسا "لويس فيليب"، وكذلك من وزراء الحكومة ومندوبي البرلمان، الذين صور الكثير منهم، وفي مجموعة (الأقنعة) وتحديداً في رسمة (الكرش التشريعي)عن البرلمان، وفي هذه الرسوم على سبيل المثال رسمة (إنه لم يعد خطراً، يمكن إطلاق سراحه)، والتي يصور فيها طبيب السجن يعاين سجينا ميتاً، أو على وشك الموت، ويقول: "انه لم يعد خطراً، يمكن إطلاق سراحه". (أنظر الملحق، رسم رقم6)

وأول من استخدم الكاريكاتير كسلاح سياسي كان في فترة حرب الإصلاحات الدينية التي قادها "مارتن لوثر" ضد الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان والذي يقول في أحد أحاديثه داعياً إلى تكريس السخرية كسلاح في هذا الصراع: "إن القساوسة والخوارنة يجب أن يرسموا على جميع الجدران؛ وحتى على أوراق اللعب بشكل يجعل الناس يشعرون بالقرف عندما ينتظرون إليهم أو يسمعوا عنهم "، ويرجع الكثير من الباحثين انتصار "مارتن لوثر" في هذه الحرب إلى عملية استخدام الكاريكاتير و"النص" بالذات.

الرسامون الإنجليز تميزوا في مجال الهجوم على الإمبراطور "نابليون بونابرت" ،كان أشهرهم الفنان "غاليري" ويكفي النظر إلى رسومه وبعد ما يقارب المئتي عام على الأحداث التي صورها لكي ندرك الوضع المحزن "لنابليون" عند رؤيته لتلك الرسوم التي أضحكت منه كل انجلترا وكل من تسنى له الإطلاع عليها، حيث لم تقتصر الرسوم التي هاجمت "نابليون" على شخصه فقط، بل أيضاً عن حياته السياسية وتعدت ذلك لتطال أسرته، وأكثر الرسوم إحراجاً كانت تلك التي صورت "جوزفين" زوجته، وكذلك طالت قادة الجيش وأعضاء الحكومة والرجال البارزين في فرنسا بشكل عام.

ودارت على صفحات الصحف الساخرة المتناقضة الأهداف ،معارك حادة في مختلف البلدان، وفي مختلف المراحل التاريخية، ولو تسنى للبشر الإطلاع على أرشيفات الرقابة في دول العالم، خاصة الدول العربية، لعثروا على رسوم كاريكاتيرية لعظماء السياسة في العالم بأشكال ما كانت تخطر لهم على بال، ولا يعني كون "هتلر" بطلاً رئيسياً للكاريكاتير في فتة من الفترات، وما بعدها، أن "ستالين" و"تشرشل" و"ديغول" وغيرهم من ساسة تلك المرحلة لم يجدوا اهتماماً كافياً لدى رسامي الكاريكاتير، ولو أمكن إقامة متحف للكاريكاتير يضم الأهداف التي تعرضت للتضخيم والمبالغة، لدخل إلى جانب غرّة "هتلر" وشاربه المربع، أنف "ديغول" وقبعته الأسطوانية، وسيغار "تشرشل" وشارباً وغليون "ستالين" وكرش"شارون"، وعين "ديان"العوراء، وملامح كثيرة مميزة أخرى للزعماء السياسيين.

ومثال آخر فقد وزعت "تاتيانا سوسكند" مع مستوطنين آخرين في مدينة الخليل رسماً كاريكاتيرياً يتطاول على القرآن الكريم والنبي محمد "صلى الله عليه وسلم" مجسداً النبي "صلعم" على شكل خنزير يرتدي الكوفية الفلسطينية وفي يده قلماً يكتب كلمة القرآن على كتاب أمامه بالغة الإنجليزية والعربية، مما أدى إلى مواجهات ساخنة في منطقة الخليل، امتدت إلى باقي المدن والقرى، ومنها إلى الدول العربية الإسلامية في العالم أجمع،وسرعان ما أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "بنيامين نتنياهو" بياناً أعرب فيه عن استنكاره وإدانته الشديدين لهذه الفعلة المخجلة المناقضة لمفهوم الديانة اليهودية التي تحترم الإسلام والنبي محمد وجميع الأديان.(أنظر الملحق، رسم رقم7)

نشرت (صحيفة الوطن) القطرية1997-12-15  رسماً كاريكاتيرياً يظهر فيه إمام الأزهر الشيخ "محمد سيد طنطاوي" يصافح حاخام إسرائيل الأكبر "لاو" في القاهرة وقد تدلت من جيب الشيخ ورقة عليها أسم راقصة شرقية ووضع الكاريكاتير على لسان الحاخام قوله: "إذا بليتم فاستتروا" ورد الشيخ يقول: "إنما المؤمنون أخوة"، مما أثار إدارة الأزهر مستنكرة ذلك، وأكدت أن الأزهر لا يملك إزاء جهالات هذه الصحيفة القطرية إلا الخضوع لأمر الله الحكيم في قوله "فإذا خاطبكم الجاهلون قولوا سلاما". وأعادت صحف مختلفة عالمية مختلفة نشر الكاريكاتير ومن بينها "الوفد" و"العالم اليوم" المصريتان اللتان أبرزتا خشيتهما من أن يشكل ذلك بداية أزمة بين مصر وقطر، ورد على ذلك وزير الخارجية القطري، الشيخ "حمد بن جاسم" قوله: "إنني غير راض عن نشر هذا الكاريكاتير، وإنه أمر لا يليق بمكانة رجل دين".

نشرت صحيفة (جيلاندزبوستن) الدنماركية الواسعة الانتشار في 30 أيلول 2005، اثنا عشر رسماً كاريكاتيرياً تحت عنوان "وجوه محمد" مما أثار حفيظة الجالية الإسلامية في الدنمارك، واعتبروا أن الأمر يشكل إهانة للنبي "صلى الله عليه وسلم" مطالبين باعتذار رسمي، وخصوصاً أن أحد الرسوم أظهر النبي يعتمر عمامة على شكل قنبلة. (أنظر الملحق، رسم رقم8)

وبناء على ذلك استنكرت العديد من المؤسسات والجمعيات الإسلامية في العديد من دول العالم هذه الفعلة الشائنة، ومن جهته استنكر الشيخ "عكرمة صبري المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية برسم الصحيفة لصورة النبي (صلعم) من مخيلتها متجاوزة بذلك كل المحرمات ومستخفة برسل الله عز وجل، عليهم السلام، وكذلك تظاهر الآلاف في شوارع (كوبنهاغن) منددين بالرسوم وبالصحيفة التي نشرتها.

القسم الثاني: النص في الرسم الكاريكاتيري

الجزء الأول: الكاريكاتير في المطبوعات (كيف بدأ النص في الرسم الكاريكاتيري؟)

الكاريكاتير كما هو متعارف عليه, هو رسم تشكيلي ساخر, وهو نوع من الفنون يعتمد الخط واللون والظل لبناء هيكله ويعبر عن فكرة ساخرة, ومع ذلك فإن الكثير من رسوم الكاريكاتير تستخدم التعليقات الأدبية, وأحياناً النصوص الطويلة وهذه ظاهرة ليست جديدة, فهي موجودة منذ المراحل التاريخية الأولى لفن الكاريكاتير وفي أعمال فنانين بارزين مثل "دومييه" و"فودفارد" و"بوزون" و"دافنشي" و"الأخوان كراتشي" و"تنذيرد" وغيرهم.

في فترة حكم الرئيس "جاكسون" ظهرت العديد من الاتجاهات في فن الكاريكاتير، وكانت بمثابة توجيهات جديدة أهمها:

إضافة الكلمات (النصّ) على الرسم بلهجة الشخصية المرسومة كاريكاتيرياً في الرسم الهزلي، أو إحدى جمله المعروفة أو مقولة يرددها، وتكون (مربوطة بفمه) وهي على شكل خط دائري مقفل، لكي يعرف القارئ أن هذه كمقدمة جديدة لإدخال هذا التطور إلى عالم الكاريكاتير، ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا نجد فناني الكاريكاتير يستخدمون هذه الطريقة، ويتعاملون بهذا الأسلوب، انطلاقاً مما أثبته من نجاعة ونجاحاً كبيراً في عالم فن الكاريكاتير، وهذا ما زال موجوداً في معظم المطبوعات الدورية في عالمنا الحديث، وأضحت ظاهرة منتشرة في أعمال الكثير من رسامي الكاريكاتير المعاصرين بينهم فناني الكاريكاتير العرب مثل رمسيس، عصام حسن، طوغان، جلال الرفاعي، عماد حجاج، وأميه جحا، بهاء البخاري، خليل أبو عرفه، محمد الزواوي، محمود كحيل فجميعهم اعتمد النص (سلامه، 82:1999)، بالإضافة إلى آخرين كثر.

"النصّ" أثار خلافات بين المبدعين الفنانين والرسامين والنقاد, فعدد منهم عارض بصورة حازمة استخدام الكلمات أو التعليق في الكاريكاتير وعدد آخر لم يرَ في ذلك ضرراً, وجاءوا بالبراهين ليثبتوا صحة وجهة نظرهم, مؤكدين أنها (الكلمة), تعطي أهمية للكاريكاتير وتجعله يُنجز وينفذ هدفه بشكل أسرع وبالتالي تصل الفكرة للقراء بشكل سلس.

رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات يرى بأن الكاريكاتير من الضروري أن يعتمد على الخطوط (الغرافيك) ويقول: "نحن نفهم الإنسان الذي يمتلك السيطرة على الريشة والألوان, لماذا إذن إدخال الكلمة في الرسومات؟ هذا يعتبر عصيان, ويعتبرها نوعاً من العكاكيز يتكئ عليها الرسام غير القادر على إيصال مضمونه إلى الجمهور بواسطة أدوات التعبير التشكيلية فقط، هذا يعني أن الرسوم الكاريكاتيرية وحدها تستطيع بخطوطها الوصول لهدفها وإيصال ما تريده من معلومة للقارئ, ولا داعي لفن الكاريكاتير أن يتجه للكلمة (الأسدي وتدمري، 21:1994).

ويؤكد أن الكاريكاتير في أساسه رسمة واضحة المعالم ولا داعي للكلمة أو أي من النصوص, وإذا كانت هناك كلمات ولا مناص من تدوينها فهذا يعتبر ضرورة يجب أن تكون جزءاً من الرسمة وليس تعليقاً عليها.

الكاريكاتير في المطبوعات، يخدم أحد أشكال مهام نشاط الأدب الاجتماعي، وكذلك مهام الصحيفة بشكل خاص, فالبوستار أو الصورة التصويرية، هي إحدى الوسائل الدعائية السياسية أو الاجتماعية والتي يُعمل بها بشكل واسع النطاق في العالم أجمع (البحرة، 4:1988).

الكاريكاتير ليس صدفة يلتقي مع الغرافيك في الصحيفة بالتحديد, كنوع خاص من أنواع الفن التصويري, فهو ذو تركيبة لفظية غير مألوفة, تتضمن قضية عادلة, فمفهوم الغرافيك في الجريدة يخدم الفن ككل ويلبي حاجته وطبيعة الصحافة بمطبوعاتها الدورية (الناصري، 37:1977).

أما "بوليفوى" فقد استمر للأمام متأثراً بفعالية الأدب الاجتماعي والتصويري في المطبوعات الدورية ويقول: "لا تختلفان وسيلتا الرسم والتصوير عن بعضهما، وممكن أن يكون الرسم فقط لزخرفة النصّ, ويرى أن الرسم والنصّ ممكن أن يخرجا منسجمين دون جدال وممكن في نفس الوقت أن يخلقا جدلاً حاداً, وهذا ممتع وجميل" (أليكافيتش، 153:1970).

نستخلص من هذا الجدل أن رافضو النص ينطلقون من واقع أن فن الكاريكاتير: هو فن تشكيلي ويجب ألا يعتمد على أدوات غير تشكيلية لإيصال مضمونه إلى الناس, أما أولئك الذين لا يرون ضيراً في استخدام النصّ الأدبي فإنهم يشيرون إلى التبعية الثنائية لفن الكاريكاتير, (التشكيلية والصحفية), وبالتالي فهم يبررون وجود التعليق في الكاريكاتير على أساس أن الكاريكاتير بهويته الصحفية إلى جانب هويته التشكيلية يمكن أن يستخدم أدوات التعبير غير التشكيلية للوصول إلى أهدافه الموضوعة, فهو ليس رسماً منفذاً للوصول إلى غايات جمالية, والناحية الجمالية ليست الهاجس الرئيس للكاريكاتير, وإنما له غاية أخرى قد تكون سياسية أو تعليمية أو ما شابه من الغايات, وللوصول إليها فلا مانع من استخدام ما يراه الفنان مناسباً (هنري، 43:1964).


الجزء الثاني: الفن التشكيلي الصحفي

وهكذا فإن منبع الخلاف هو هوية الكاريكاتير وانتماؤه, ولكي نحدد موقفاً من هذه الظاهرة فلابد من البحث عن الهوية الحقيقية له.

إن جميع التعريفات لفن الكاريكاتير في الموسوعات والمعاجم، تؤكد أن الكاريكاتير هو فن تشكيلي, يستخدم المبالغة والتضخيم للحصول على رد فعل عكسي كوميدي, إذاً فالكاريكاتير هو فن تشكيلي بالدرجة الأولى, ولا أعتقد أن هنالك من له على هذا اعتراض, ولكن هل تكفي التعريفات لاتخاذ قرار قاطع بانتماء الكاريكاتير؟ بالطبع لا (فيستافيس، 75:1973).

فالكاريكاتير إضافة إلى كونه فن تشكيلي, فإن له الكثير من الخصائص الأخرى التي تجعله لا يقتصر عن هذا التعريف فالمكان الأساس لالتقاء الرسم الكاريكاتيري "بالمتلقي" هو الصحافة بمختلف أنواعها، حتى إذا كانت المعارض هي مكان لمثل هذا الالتقاء، فإن الرسوم المشارِكة في المعارض غالباً ما تكون قد نشرت في صحف ما وإن كانت لم تُنشر فإنها عبر هذه المعارض تجد طريقها إلى صفحات دوريات ما (كبوستا، 47:1989).

وحتى إذا قمنا بإحصاء لعدد رسوم الكاريكاتير المنشورة في الصحف، لوجدنا أن العدد في الصحف يفوق العدد في المعارض بدرجة كبيرة, وعادة ما تكون هذه المعارض مشكَّلةً من مختارات من رسوم فناني الكاريكاتير ولا تستوعب كل إنتاجهم, وهكذا فإن الانتماء الصحفي للكاريكاتير لا يقلل من انتمائه للفن التشكيلي, وبالتالي فإنه يمكن التأكيد أن لفن الكاريكاتير هوية ثنائية، (تشكيلية وصحفية) وهما لا تتعارضان, فالصحافة بحد ذاتها: هي مساحة لنشاط عدد كبير من الفنون ومن بينها عدة أنواع من الفنون التشكيلية مثل الملصق والصورة والكاريكاتير وغيرها من الفنون الأخرى, ويمكن القول إن الصحافة تعتمد في نشاطها على قطبين هما أداة التعبير التشكيلية وأداة التعبير الأدبية, وقد تتفوق هذه هنا, وقد تتفوق الأخرى هناك, وإن كانت الأداة الأدبية هي الأساسية في الصحافة منذ نشوئها, فإن الأداة التشكيلية في بعض الصحف في عصرنا الراهن تتفوق على الأداة التعبيرية, وعلى سبيل المثال لا الحصر (صحف الأطفال), ألا تتفوق فيها أداة التعبير التشكيلية على أداة التعبير الأدبية؟!, وهكذا فإن انتماء الكاريكاتير إلى الصحافة كما قلنا لا يتعارض مع انتمائه إلى الفن التشكيلي, ويمكن تسميته (بالفن التشكيلي الصحفي) (فيستافيس، 77:1973).

وبهذا الشكل فإن وجود الكاريكاتير في الصحافة يفرض عليه تنفيذ أهداف محددة, وبالتالي استخدام أدوات محددة قد تكون أدوات تعبير أدبية (تعليق أو نص أدبي مطول أحياناً) وهذا باعتقادنا لا يقلل من أهمية الرسم الكاريكاتيري، إذ أن النص الساخر بحاجة إلى مهارة ليست بأقل من المهارة المطلوبة في الرسم التشكيلي الساخر, وبالتالي فإن نجاح الرسم الكاريكاتيري أو هبوط مستواه برأينا غير مرتبط بوجود التعليق أو النصّ الأدبي أو بعدم وجوده, فالكثير من رسوم الكاريكاتير الخالية من التعليق الأدبي تعتبر رسوماً غير ناجحة لأنها لا تصل إلى المستوى المطلوب من السخرية, أي لا تحصل على تجاوب ساخر أو كوميدي لدى المشاهد, حتى وإن كانت منفذة بمهارة فنية تشكيلية عالية, فالأساس في الكاريكاتير هو السخرية, وإن غابت السخرية غاب الكاريكاتير, وهذا ينطبق على النصّ الأدبي في الكاريكاتير إن وجد هذا النص, وإذا رأى الفنان أن الحصول على التجاوب المذكور بحاجة إلى نصّ أدبي فإن هذا باعتقادنا ليس نقصاً في الكاريكاتير, وإنما إتقان لنوعين في الفنون الساخرة هما السخرية التشكيلية والسخرية الأدبية والمهم هنا, أن يختار الفنان النص المناسب الموفق والمطلوب, أما إذا كان هذا النصّ حشواً أو شرحاً للرسم فإنه بالطبع "عكاز" وهذا العكاز لا يؤدي الوظيفة المطلوبة (يفيموف، 65:1961).

أما الاتهام العام والنظرة الفوقية تجاه الأدب الساخر، فإنها برأينا غير صحيحة لأن جميع الفنون تؤثر ببعضها البعض, ومثلما استخدم الأدب الساخر الفنون التشكيلية, فإن الفن التشكيلي الساخر كان لابد له أن يستخدم الأدب, وهل يمكن القول أن أعمال "سرفانتس" و"غوغل" و"دانتي" و"بلزاك" وبعض أعمال الشاعر الكبير محمود درويش وغيرهم تعكزت على الرسوم الساخرة التي رافقتها؟ (المطبوعات، 13:1986).

لا بكل تأكيد, بل إن أعمال الأدباء والشعراء أعطت دفعاً لفن الكاريكاتير نفسه, وكانت تصل إلى الجمهور بدون الرسوم المرافقة, ولكنها إنما استخدمت هذه الرسوم لكي تفعّل مضمونها الكوميدي أكثر والكلام نفسه ينطبق على الكاريكاتير.

وبالتأكيد فإن الرسم الكاريكاتيري الذي يستغني عن النصّ الأدبي هو رسم فائق المهارة وهو صاحب الصدارة بين أنواع الرسوم الكاريكاتيرية, لأنه عدا عن اعتماده أداة تعبيرية واحدة (التشكيلية) فهو أيضاً ذو جمهور أوسع، إذ أنه قادر على الوصول إلى أوسع الفئات بغض النظر عن لغاتها, وبالتالي فهو عالمي, إذا خضع لاعتبارات أخرى طبعاً, مثل التركيب النفسي العام لدى البشر جميعاً, وعدم اعتماده على خصائص إثرائية غير مفهومة لباقي البشر, وحتى لو لم يصل العالمية, فهو مفهوم في جميع أوساط وفئات البلد الواحد إذ أنه قادر على الوصول حتى إلى الفئات الأمية من البشر (مجلة دراسات، 15:1987).

ودفاعنا عن وجود النص الأدبي في الرسم الكاريكاتيري لا يعني أبداً الهجوم على الكاريكاتير الخالي من النص الأدبي, وإنما أردنا القول إنه لا فارق إن كان هناك نصّ ذو بنية ساخرة متقنة, ومنفذة بمهارة مستخدمة من باب التفعيل لا من باب العجز, وهذا ما يستطيع القارئ تحديده دون بذل جهود خاصة و إلا فإن النصّ ضعيف المستوى هو ليس عكازاً, يتعكز عليه الرسم وإنما يكون ثقلاً على ظهره.

منذ النصف الثاني من القرن العشرين, عندما عقدت هيئة تحرير مجلة "كراكاديل" الروسية الكاريكاتيرية اجتماعات سميت بالغامضة, شارك فيها رسامون وأدباء ونقاد وهجائيون, وكان محور هذه الاجتماعات التفكير في موضوعات الكاريكاتير, وخرجوا بعد تفكير مضنٍ بتسمية "مقترح النصّ" وهو الشخص الذي عليه أن يفكر في موضوع يحاكي الواقع ويشرح للفنان ما يجب عليه عمله, وهذا في الحقيقة هز الكثير من الفنانين والباحثين الذي وقفوا بدورهم ضد هذه الفكرة ورفضوها قطعياً واقترحوا الاستغناء نهائياً عن (مقترحي النصوص), بل واعتبروا الموضوع ظاهرة غير مقنعة وهي شكلية وصدفة قديمة, ويعتبرون بأن الرسم يعتبر منتهياً بظهور ونضح أفكار الفنان ذاته, وإذا لم يفكر الفنان بالنصّ لوحده، فهو لا يعتبر فناناً بل مهني أو حرفي.

المفهوم الحقيقي ليس التفكير في الموضوع من قبل (مقترح النصّ) فقط, وإنما هذا يحتاج إلى تحويله بطريقة فكاهية ظريفة غير منتظرة, مع عمق يكشف ماهية وجوهر الموضوع المقترح, وضرورة وجود اقتران غير متوقع مع عمق يكشف ويفضح جوهر الظاهرة.

الأفكار الهجائية تعتبر جنين فن الكاريكاتير, ولا شك أن (مقترح النصّ) هو الأول الذي يضع مفهوم التألق من خلال المتناقضات, ولكن هذا التألق والإشراق عديم الثبات ودائماً متزعزع, (مقترح النصّ) يرسم طريق الحل, والفنان يتلقاه (سلامة، 83:1999).

نعتقد بدورنا أنه ليس بمستطاع كل فنان أن يكون رساماً كاريكاتيرياً، لأن رسام الكاريكاتير يستطيع أن يختلق موضوعات مختلفة وحساسة لرسمه الكاريكاتيري, والفنان يجب أن يكون مبدعاً لإنتاجه منذ البداية وحتى النهاية, ويجب ألا يكون بإبداعه الخارق (كمقترح النصّ) الذي تبقى نظرته محدودة.

الجزء الثالث: تصنيفات الكاريكاتير (أنواعه المرتبطة بالنصوص)

وعلى أساس تواجد النصّ الأدبي في الرسم الكاريكاتيري أو عدم تواجده يمكن تصنيف عدة أنواع من الرسوم الكاريكاتيرية وهي:


1- كاريكاتير بدون النص:

وهو يعتبر من أهم أنواع الرسوم الكاريكاتيرية, إذ يعتمد في تصوير المضمون وإيصاله إلى الجمهور, على أدوات التعبير التشكيلية فقط, دون استخدام أي نوع من أنواع التعبير الأدبي، وبعض من هذا الرسم الكاريكاتيري ترافقه عادة جملة (بدون تعليق) التي يؤكد بعض الفنانين، أنها بمثابة التعليق الأدبي الضروري حتى للكاريكاتير الذي يخلو من العبارات الأدبية, اختلف معهم النقاد والمبدعين قائلين: "هم بالطبع غير محقين في رأيهم لأن الكثير من الصحف لا تستخدم مثل هذا التعليق وحتى في حال حذفه فإنه لا يغير من الأمر شيئاً" (البردويل، 113:1996).

وكمثال على هذا النوع من الرسم الكاريكاتيري يمكن الإشارة إلى لوحة للفنان الليبي "محمد الزواوي" الذي صور امرأة فقيرة تحمل طفلها وتمد يدها حاملة وعاء في إشارة إلى التسول، في حين يقف رجل غني تسيل دموعه في ذاك الوعاء, وفي خارج إطار اللوحة مكتوب (عواطف حارة), ورغم وجود التعليق فإن الأمر لا يتغير في حال حذف التعليق.  ومن الجدير ذكره أن عبارة (بدون تعليق) هي تقليد في الصحف لا أكثر (حمادة، 38:1999). (أنظر الملحق، رسم رقم9)

مثال آخر، لوجه الفنان "على فرزات" والتي جسّد خلالها أنواعاً من الحيوانات وهي تمعن النظر بمشاهدة بني البشر وهم يقتلون بعضهم بعضاً على شاشة تلفاز، وهم يبدون تعجباً واستغراباً مما يحدث، في حين لم تحتوي اللوحة على أي من النصوص أو حتى عبارة بدون تعليق (سلامة، 78:1999). (أنظر الملحق، رسم رقم10)

أما الفنان "ناجي العلي" فقد ابتعد عن "النصّ" في كثير من لوحاته الشهيرة، ومثال على ذلك فقد صور في إحدى لوحاته عناقاً بين سيدتين، إحداهن مسلمة والأخرى مسيحية، من خلال سلسلة علقتها كليهما في رقبتها، في إشارة للعلاقات الحميمة التي تربط الديانتين في كل من لبنان وفلسطين.  (أنظر الملحق، رسم رقم11)

2- كاريكاتير مع نص تعريفي:

وهو رسم يعتمد على الأداتين, أداة التعبير التشكيلية وأداة التعبير الأدبية، وفيها يرفق الفنان "النصّ" للوحة, للتعريف بشخصية ما، تكون معروفة للجميع كرئيس وزراء مثلاً أو ملك ما أو وزير خارجية... الخ, ويسمى هذا كاريكاتير "الصورة الهزلية" أو كاريكاتير "البورتريه" (صوت الشباب، 2004)، ولتلاعب فنان الكاريكاتير، يقوم بإدخال خطوط هنا وخطوط هناك, تغيّر شكل الأنف مثلاً أو الفم أو تقطيعات الوجه, وهنا يخاف فنان الكاريكاتير من عدم معرفة المشاهد للشخصية المرسومة, فيقوم بكتابة (نصّ تعريفي) يحمل اسم صاحب الصورة, مما يضعف اللوحة حتى في نظر الفنان نفسه، بعض الفنانين يظهرون عيوب الوجه "البورتريه" بإضافة خطوط تجعل الأنف طويلاً أو عريضاً, وينقص خطوطاً ليجعل الأسنان الضاحكة مثلاً غير مكتملة.. الخ, ليخرج برسمه متقنة يستطيع الجميع معرفة الشخص المرسوم, وبالتالي لا داعي لتعريف صاحب الصورة هنا (راينوف، 39:1988).  وكمثال على هذا النوع الكاريكاتيري يمكن مشاهدة لوحات عديدة للفنان الإسرائيلي "شلومو كوهين" المتخصص في رسم الوجوه "البورتريه" فقد رسم جميع رؤساء الوزراء الإسرائيليين بشكل مضحك وهزلي (أنظر الملحق، رسم رقم12), وكذلك فنانين عرب مثل "أحمد طوغان, وأميه جحا وخليل أبو عرفة وجلال الرفاعي وحميد قاروط" وآخرين، فقد استخدموا هذا النوع.

3- الكاريكاتير مع النصّ التعليقي:

هذا النوع من الرسم الكاريكاتيري يعتمد التعليق الأدبي الذي يوضح مضمون اللوحة, ويعتبر عنصراً ثابتاً في اللوحة, ويجب عدم الخلط هنا بين التسمية (أسماء الأشياء الثابتة الداخلة في أصل الرسم كما هي في الواقع) والتعليق الذي لا يؤثر وجوده على مضمون اللوحة, بمعنى أن حذف "النص" فإنه يؤثر على وصول مضمون الرسم إلى القراء, أما التعليق الذي نقصده فهو ذلك التعليق الذي بدونه تصبح اللوحة غير مفهومة أو قابلة للتأويل (بغدادي، 37:1996).

مثال على ذلك, تلك الرسمة للفنانة "أميه جحا", والتي توضح خلالها الظروف السياسية الصعبة التي يواجهها الشعب الفلسطيني خاصة الأطفال جراء الغارات الوهمية التي تطلقها قوات الاحتلال الإسرائيلي مما يخلق الذعر والخوف لدى الأطفال ،وفي اللوحة فقد جسدت الفنانة أباً يحمل ابنه ويقول له باللهجة العامية: (لا يا بابا ما بدي تخاف، هادا مجرد تفريغ هوا) ناتج عن ضغط المقاومة،ويشير لشارون الذي يدير ظهره ويخرج ريحا من مؤخرته في إشارة من الفنانة لذلك بتعليق (طوط) (الرسالة، 2005).  (أنظر الملحق، رسم رقم13)

هذا الأنموذج لا يمكنه إطلاقاً الاستغناء عن النص فالأداة التشكيلية متقنة, إذن اللوحة شكلت واقعاً سياسياً واجتماعياً صور حياة الفلسطينيين وخصوصا الأطفال الذين يفزعون من الغارات الوهمية،هنا تضمنت اللوحة روح الكاريكاتير, ولكن النص هنا لم يكن خالصاً أدبياً، ولم يراعي ثقافة البلد، فقد غرق في الرسم, فالكلمة والرسمة يجب أن يكملا بعضهما, ويحققا المساواة في الفعالية والحيوية ومراعاة قوة النص الذي عليه أن يعكس ثقافة الفنانة وإطلاعها ومعرفتها, في الوقت الذي تحمل اللوحة نظرة تهكمية وسخرية حادة، علماً بأن التعليق الصائب والجاد للفنانة يكشف بجدارة عن التناقضات داخل المجتمع؛ حيث أن الأب أيضا يفزع هو الآخر من الغارات الوهمية والحقيقية إلا أنه في اللوحة يحاول طمأنة ولده وتبسيط الموضوع إلى درجة بعيدة جداً (عرب كرتون، 2005).

4- الرسم الكاريكاتيري ذات النصّ الداخل في اللوحة:

هذا الرسم يعتمد على أدوات التعبير التشكيلي لأن أدوات التعبير الأدبي هنا ليست عنصراً إضافياً في الرسم, وهنا يعتبر "النصّ" من أصل الرسم, حيث تدخل فيه كعنصراً ثابتاً إلى جانب التشكيل, ويمكن القول أن العبارات الموجودة في مثل هذه الرسوم, هي أسماء الأشياء الداخلة في الرسم, مثلاً يكتب اسم مدينة ما (القدس مثلاً) أو محل تجاري (بقالة) أو (جزار) أو ما شابه فهذه العبارة موجودة أصلاً في الواقع والرسام قام بتصويرها مثل بقية الأشياء, ومن هنا فإن هذا النوع من الكاريكاتير يعتمد بشكل كامل على أدوات التعبير التشكيلية وليس رسماً مركباً (حمادة، 47:1999).

مثال على ذلك، لوحة الفنان المصري "عثمان بهجت والتي فيها يشير رجل عابر طريق على يافطة مكتوب عليها (مجلس الشعب) لسيدة تسأله عن (موقف الشعب)، وفي اللوحة استخدم الفنان المبنى وما عليه من يافطة كوضع طبيعي للتعريف بالمؤسسات، ليوضح "للمتلقي" أن هذا المكان هو (مجلس الشعب) أما "النصّ التعليقي" فكان خارج اللوحة. (أنظر الملحق، رسم رقم14) ما يوضح المفارقة الراقية.

ومثال آخر, لوحة الفنان بهاء البخاري والتي يحمل فيها أبو العبد (الحجر) و(النكيفة) في حين يوجد الكثير من القباب الشبيهة بقبة الصخرة إلا أن شارة على شكل يافطة كانت توضح باللغتين العربية والإنجليزية كلمة (القدس) وطرف اليافطة على شكل سهم, في حين تنظران عيني أبو العبد باتجاه السهم.

5- الكاريكاتير المرافق للنصّ:

وهو الرسم الكاريكاتيري الذي يعتمد في إظهار مضمونه على نوعين من أدوات التعبير (التشكيلية والأدبية) وفي هذا النوع من الكاريكاتير, يشكل النصّ الأدبي والرسم التشكيلي وحدة متكاملة, بحيث لا يمكن أن يعبّر الواحد منها عن نفسه في حال حذف الآخر, وقد يكون النصّ الأدبي حواراً بين أبطال اللوحة أو جملة على لسان أحد أبطال اللوحة أو حتى نصاً مطولاً, أو حتى حوار بين بطلين في اللوحة, وقد اشتهر في مجال استعمال النصّ الأدبي المطول وأحياناً الأشعار الشعبية أيضاً الفنان الشهيد "ناجي العلي" (العلي، 17:1997).  ومن الأمثلة على هذا النوع نورد رسم للفنان العلي, فنجد في اللوحة حنظلة يسأل كاتباً صحفياً متواضعاً: "مقالتك اليوم عن الديمقراطية عجبتني كثير, شو عم تكتب لبكره"؟ ويجيب الكاتب الذي يضع أمامه أوراق ويمسك قلماً "عم بكتب وصيتي"! (العلي، 29:1997).  (أنظر الملحق، رسم رقم15)

أما في الكاريكاتير المصري فيسود الحوار حيث أن معظم رسوم الكاريكاتير المصرية عادة ما تكون مرفقة بالنصّ باستثناء العديد من لوحات الفنان "عصام حسن", في حين نرى الكاريكاتير السوري نادراً ما يستخدم الحوار والتعليق الأدبي, وما لوحات الفنان السوري الشهير على فرزات إلا تأكيداً لذلك, وهذا طبعاً ليس تصنيفاً وإنما انطباع عام من خلال الإطلاع على عدد كبير من الرسوم المتوفرة (الوسط، 1996).

إن استخدام النص الأدبي في الرسم والتذكير بأن دخول النصّ يجب ألا يحجب التشكيل ويدفعه إلى مكانة ثانوية, ولابد من وجود التوازن بين الاثنين بحيث لا يصبح الكاريكاتير غير ذي أهمية ووجوده كعدم وجوده, ففي حال أمكن الاستغناء عن التشكيل في الرسم الكاريكاتيري, والاكتفاء بالنص الأدبي للوصول إلى مضمون الرسم أو المادة المقدمة, فإن هذه المادة لا تنتمي إلى الكاريكاتير ولا يمكن تسميتها كاريكاتيراً لأن التشكيل فيها أدخل كعامل مساعد ليزيد فاعلية هذه المادة ويعطيها دفعاً, ويمكن القول أن مثل هذه المادة تنتمي إلى الفنون الأدبية الساخرة أكثر منها إلى الكاريكاتير, لأنها قادرة على الاكتفاء بالنصّ الموجود والوصول إلى الجمهور بدون التشكيل, أما إذا حذفنا النصّ الأدبي, فيبقى التشكيل خطوطاً تائهة لا معنى لها, هذا بالتأكيد ليس كاريكاتيراً (مقداد، 1989).

ولهذا فإن على رسام الكاريكاتير أن يؤسس عمله تشكيلياً في البداية ثم يبنيه أدبياً بحيث يحصل على التوازن المطلوب و إلا فإنه سوف ينتج نصف كاريكاتير ونصف أدب, ما يمكن تسميته (كلمكاتير) (بغدادي، 77:1995).

6- الرسم الكاريكاتيري ذات النص الخارج عن اللوحة:

وفيه تكون اللوحة الكاريكاتيرية والنص منفصلان غير متصلان متقاربان في الموقع عند إخراج المطبوعة, مكملان لبعضهما البعض.

يشترك الكاتب والرسام في معالجة قضية معينة, يرسم خلالها الفنان بغض النظر عن احتواء لوحته نصاً ملازماً أم لا، ويكتب الأديب ملتزماً الموضوع المتفق عليه، وصاحب هذا النوع هو الفنان "ناجي العلي".

يقول "محمود درويش": "خطرت "لناجي" خاطرة فقال: تعال نعمل معاً (أنت تكتب... وأنا أرسم) ويضيف: كنا صديقين دون أن نلتقي كثيراً, وعملنا كثيراً... لا أعرف عنوانه ولا يعرف عنواني, وأثناء غربته في لندن, أعلن الخلاف مع الجميع وخدش الجميع بريشة لا ترحم, ولا يصغى إلى مناشدة الأصدقاء والمعجبين, إلى أن استبدل عبارتي "بيروت خيمتنا الأخيرة" بعبارة (محمود خيبتنا الأخيرة) كَلمَتُه معاتباً، فقال لي: لقد فعلت ذلك لأني أحبك ولأني حريص عليك من مغبة مما أنت مقدم عليه, ماذا جرى... هل تحاور اليهود؟ أخرج مما أنت فيه لأرسمك على الجدران!" (العلي وآخرون، 15:1997).

7- كاريكاتير "رسم النصّ":

هذا النوع من الرسوم الكاريكاتيرية يستخدم الكلمة "النصّ" نفسه كرسم ،بحيث يقوم الفنان بجعل الكلمة ذاتها "لوحة"، وهذا النوع يعتبر من أنواع الكاريكاتير المباشر، حيث يوصل رسالته بشكل سلس وسهل يستطيع "المتلقي" فهمه ببساطة دون أية صعوبات،وذلك عن طريق التلاعب بأشكال حروف "النصّ" أو الأعداد والأرقام... الخ (سلامة، 106:1999).

معظم فناني الكاريكاتير استخدموا هذا الأسلوب، على سبيل المثال: "عماد حجاج، حجازي، أمية جحا، ناجي العلي، ناجي كامل، بهاء البخاري، بهجت عثمان.. الخ، حيث ينشأ زواجاً عبقرياً بين السخرية والفن عن طريق استخدام "النصّ" فإن لهذين الأقنومين (السخرية والفن) حذراً عميقاً في تربة فكر الفنان، ولهذا فإن خطاً منحنياً يتعانق مع آخر مستقيم، هو أكثر من لهو بالحبر والورق، إنه رسالة تتضمن نصا غائبا يدور في ذهن "المتلقي" فور تحرره من ريشة الرسام، ولهذا كانت السلطة، مطلق سلطة، غير سعيدة بفن الكاريكاتير ككل وباستخدام النصّ المباشر للتعبير عما يجول بخاطر "المتلقي" بشكل خاص، وإن كان عبوسها وغضبها يتراجعان عندها بقدر ما يتسع أفقها للديمقراطية، ومثال على ذلك: فقد تنبأ "ناجي العلي" بنهاية محزنة لذاته، فالديمقراطية قد رسمها بخط واقعي وعلى إحدى حروفها نبت أشواك الصبار، وكذلك العديد من لوحات الفنان "حجازي" فقد جسد كلمة (الفساد) وكأنها شخص فاسد، فرسمها تتكئ وتضع رجلا فوق الأخرى، وكذلك (تكافؤ الفرص) جعلها ترفص الباحث عنها... وهكذا. (أنظر الملحق، رسم رقم16 ورسم رقم17) 

 


خاتمة

يقول فنان الكاريكاتير المصري "ناجي كامل": أظل أشخبط؛ أرسم شخصيات مجهولة؛ إنساناً رأيته في الشارع؛ خبراً سمعته في الإذاعة.. وأظل أشخبط حتى يخرج الرسم، فالكاريكاتير ليس له قانون، ويمكن أن تجيء النكتة من حوار أتذكره أو حركة ما تذكرني بشيء مضى، وحتى قبل النوم، حيث يمر شريط الحياة في ذهني وربما فجأة تخطر ببالي فكرة فأقوم فوراً بتسجيلها (موقع الجزيرة نت، 2005).

مخاض عسير يمر به الفنان حتى ولادة الفكرة،وأصعب من ذلك حين ترجمتها وإيصالها للمتلقي ذاته.

الشيء نفسه حدث معي للخروج بهذه الدراسة المتواضعة "ثقافة النص الكاريكاتيري وتأويلات المتلقي" فدراسة الكاريكاتير ككل تعتبر من الدراسات المعقدة وذلك لقلة المراجع ليس في فلسطين فحسب؛ بل في العالم أجمع، فما بالكم بتحديد عنوان كهذا؟

لذا لابد من دراسات أخرى تحمل عناوين جديدة ،ليستطيع المتلقي التعرف أكثر على هذا الفن الذي لم يأخذ حقه من قبل الباحثين، فالكاريكاتير هو تعريف وتأريخ لمن سبقونا؛ بسلبياتهم وإيجابياتهم، هذا الفن المزعج، المحرج، المحبوب.

وهذه الدراسة بمثابة تأصيل لفن يستحق اهتماما أكثر ومساحة أكبر من المثقفين والجامعات الفلسطينية والباحثين والمهتمين، لما حققه تلقائياً عبر مئات، بل آلاف السنين من التحدي والمواجهة الساخنة، إلى أن أيقن "المتلقي" ضرورة تصفح الجريدة من آخرها، وليس هي الضرورة فحسب بل متعة المعلومة.

والقصة؛ كما في المرآة المحدبة والمقعرة، يظهر الوجه غير طبيعي، بتضخم هنا أو ضمور هناك، ولكن "غير الطبيعي هذا" مأخوذ من الطبيعي الذي فينا، وبين الأصل والسطحي والخيال العميق،يستمد الكاريكاتير مصداقيته وسبب وجوده ومعالجته لقضايا واقع مليء بالسلبيات.


المراجع: 

1]      الأسدي، عبده، 1994: دراسة في إبداع ناجي العلي, دار الكنوز الأدبية, بيروت.

2]      اسماعيلوف, 1989: الكاريكاتير, رسام الكاريكاتير, القارئ, موسكو: دار رادوغا.

3]      ألياكفيتش, 1970: أفقط الفرافيك؟ فن, موسكو، ]بدون[.

4]      البحره، ممتاز، 1988: عشرون عاماً من كاريكاتير ممتاز البحرة, تقديم سعيد مراد, دار الشيخ, دمشق.

5]      برجسو، هنري, 1994: بحث في دلالة المضحك؛ ترجمة سامي الدروبي, دار الأوابد, دمشق.

6]      البردويل, محمد، 1996: الصحافة نشأتها وتطورها, مطابع منصور, غزة.

7]      حجازي، 1995: كاريكاتير حجازي، فنان الحارة المصرية, إعداد وتقديم محمد بغدادي, المركز المصري العربي, القاهرة.

8]      حسن, عصام، 1997: ما قل ودل Caricature, دمشق, دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق.

9]      حمادة, ممدوح، 1999: فن الكاريكاتير في الصحافة الدورية, دمشق: دار عشتروت للطباعة والنشر, دمشق.

10]  حمادة, ممدوح، 1999: فن الكاريكاتير من جدران الكهوف إلى أعمدة الصحافة, دار عشتروت للطباعة والنشر، دمشق.

11]  راينوف، بوغومل, 1988: الفانوس السحري، دراسات في تاريخ الفن التشكيلي ونقده, ترجمة ميخائيل عيد, دمشق: دار الشيخ, دمشق.

12]  الرفاعي، جلال عبد الكريم, 2000: ألف كاريكاتير وكاريكاتير, جريدة الدستور, عمان.

13]  سلامة, عاطف، 1999: الصحافة والكاريكاتير, غزة.

14]  سليمان, محمد، 1987: تاريخ الصحافة الفلسطينية 1876-1918, الجزء الأول.

15]  عثمان, بهجت، 1987: حكومة وأهالي وخلافة, تقديم صلاح عيسى، الأهالي, 1987, القاهرة.

16]  العلي, ناجي، 1997: الهدية لم تصل بعد, ناجي العلي وآخرون, دار الكرمل للنشر والتوزيع, عمان.

17]  فيستافيس, 1973، أهداف الفرافيك الصحافي, موسكو: جامعة موسكو الحكومية, موسكو.

18]  كبوست, 1989: معلمي الكاريكاتير السوفيات, دار رادوغا: موسكو.

19]  المطبوعات الأجنبية, 1986: الدليل المختصر, جرائد – مجلات, موسكو.

20]  معجم ماير الجديد, 1973: مج7, المعهد الببلوغرافي, برلين.

21]  الناصري, رافع، 1997: فن الغرافيك المعاصر, بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت.

22]  يفيمون, 1971: أسس فهم الكاريكاتير, دار رادوغا, موسكو.

23]  اليوسفي, ماهر، 1993: ناجي العلي من حسن الملهاة ومفجع المأساة, الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع, دمشق.

 

المقالات:

1]      إبراهيم, محمد، 1996: ضحكات عميقة فوق باب السخرية, القاهرة, العدد 164.

2]      أبو عرفة, خليل، 1997: ريشة ناجي العلي, الحقيقة, العدد4.

3]      البراج, إلياس، 1995: بهجت عثمان وأربعون عاماً من الرسوم, العربي, العدد 162.

4]      بغدادي, محمد، 1996: 60 عاماً من الفن الجميل, روز اليوسف, العدد 3544.

5]      بهجت، عثمان، 1983: الكاريكاتير في مصر, الموقف العربي, العدد118.

6]      حمودة, عادل، 2004: صوت الأمة, العدد116.

7]      الحياة الجديدة, 2004: العدد3238, السنة العاشرة.

8]      دراسات اشتراكية, 1987: العدد9.

9]      سلامة, عاطف، 1994: الجذور التاريخية لفن الكاريكاتير, الحياة الجديدة.

10]  سلامة, عاطف، 1994: جيوبوليتيكا الكاريكاتير، مجلة توابل, العدد2.

11]  سلامة, عاطف، 1996: ثقافة النص في الرسم الكاريكاتيري, مجلة تسامح, م2, ع7.

12]  صوت الشباب الفلسطيني, 2004، العدد32، ملحق صحيفة الأيام.

13]  عطا الله, تغريد، 2004: صحيفة الدار، م1, ع13.

14]  المضحك المبكي, 1993، العدد102.

15]  مقداد, محمود، 1989: فن الكاريكاتير في الغرب, الأسبوع العربي.

16]  الوسط, (1996-1997)، العدد227, العدد293.

17]  موقع الجزيرة، www.aljazeera.net.

عرب كرتون www.info@arabcartoon.net