زوارق الغير

ترجمة: 

"سوفيتسكايا بيلاروسيا" 3/3/2011

 

لم يكد العام الجديد يطوي أولى صفحاته حتى راحت رياح الثورات تهب على مختلف مناطق الشرق الأوسط. فالأنظمة التي قامت على مدى عشرات السنين، طفقت تتهاوى كبيوت كرتونية. الخبراء من الساسة أخذوا يطلقون النظرية إثر الأخرى لتوصيف الحالة، ويبدعون تسميات تناسب الانتفاضات والعصيانات والتظاهرات التي شملت منطقة تمتد من موريتانيا إلى باكستان، متحزرين أيها سيفلح في تغيير الحاكم ليحوز على لقب ثورة. يتجادل الناس حول من يقف وراء هؤلاء الثوار. أما أوسع النظريات انتشاراً فهي نظرية المؤامرة. والباقة المعتادة: "ما وراء الكواليس الدولية"، والماسونية، والصهيونية العالمية، و"القاعدة" و"الأممية الخضراء"، والولايات المتحدة الأمريكية ومخابراتها، و"نادي بيديلبيرغ"، وإسرائيل و..و.. أما الحاصل على الأرض: فقمة لا يمكنها الحكم، وقاعدة لا تريد الإذعان لها.

إن المقارنة مع الثورات الأوروبية التي اندلعت في أواسط القرن التاسع عشر تستدعي الشكوك. ونظرية المؤامرة يجيرها الجميع لصالحه، غير أن أحداً لم يتسن له الكشف عنها قط، في أي من الثورات. ذلك أن هذه المؤامرة، للأسف، غير موجودة. فالواقع أسوأ بكثير، حيث الكل يعمل باستمرار ضد الكل. في السياسة العالمية يشارك الجميع في أرجحة زوارق الغير، وليس من الضروري أن يكون ذلك لمصلحة ذاتية. فأحياناً يكون الأمر نكاية- احتفاءً بأفكار، أو عقيدة دينية، أو مسلمة نظرية، صحيحة كانت أم خاطئة. وحينما تتلاقى الحوامل ينقلب الزورق، باعثاً الدهشة لدى المراقبين والمشاركين في العملية، من درجة هشاشة الأنظمة المتهاوية. آلية عدوى هذه الأمثلة بسيطة، فما إن تتحرك، حتى تعمل بالتوجيه الذاتي. فسلسلة الحروب، والحروب الأهلية والثورات المتتالية وغياب الإمبراطوريات وتغيير الحدود في أوروبا، والتي بدأت في العام 1914، هدأت فقط في العام 1945. ولفظت أنفاسها الأخيرة في التسعينيات من القرن الماضي، بتقسيم يوغسلافيا وانهيار الاتحاد السوفيتي. الشيعة في البحرين و"القاعدة" في ليبيا و"الإخوان المسلمون" في مصر و"الخميني السني" (القرضاوي) في قطر، والزيديون في الشمال و"الشافعية" في جنوب اليمن، وحركة "الشباب" المتطرفة في الصومال، والإسلاميون المعتدلون في تونس والأردن، و"حماس" في فلسطين، و"حزب الله" في لبنان، كل هؤلاء يستندون إلى القواعد الجماهيرية والتقليدية- الشارع "الجائع" وأنصارهم في الجيش والأجهزة الخاصة. أما إيران التي تنسق أنشطتها مع تركيا وسورية، فتساند ليس فقط الشيعة، بل والسنة من الإسلاميين بما فيهم "الإخوان" وأنصارهم الذين يتصدون لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والأعداء المشتركين: كنظام مبارك في مصر، مع أنهم يعادون "القاعدة".

لقد كان هناك دور خاص، في الأحداث الأخيرة، للقنوات الإخبارية، "كالجزيرة" القطرية و"العربية" السعودية. أما المستفيدون من الثورات الشرق أوسطية، فليسوا الليبراليين الموالين للغرب، إنما "الإخوان المسلمون" و بدرجة أقل "القاعدة"، وطهران وأنقرة. "الإخوان" يسعون بعناد لبناء الخلافة في المستقبل. وإيران- تقيم دولة إقليمية عظمى، جوهرها القومية الفارسية، وتركيا الإمبراطورية العثمانية.

يناور الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد خسارة الحلفاء، بشخصي مبارك وبن علي، وفقدان "ابن الملعونة" القذافي، محتفظين بالخطاب الديمقراطي، وهم "يدوسون" عليهم مداعبين الزعماء المحليين والإسلاميين. أما إسرائيل التي يهوي أمنها حثيثاً ليلامس المستوى الذي كان عليه قبيل حرب الستة أيام 1967، فهي تراقب تطور الأحداث. مئات آلاف اللاجئين، وملايين قد تلحق بهم، وأسعار النفط ترتفع، وعدم الاستقرار يتفاقم على مساحات هائلة من الأطلسي إلى الهندستان.

إن الذين ساندوا البلشفيين في ثورة روسيا 1917، لم يريدوا انهيار الإمبراطورية الروسية، ولم يفترضوا أن ألمانيا وبروسيا الهنغارية ستحذو حذوها. والمؤامرة لم يكن لها وجود عندئذ، كما ليس لها الآن. الأمر لا يعدو كونه تلاقي حوامل الضغط  فحسب.