هي بضعُ غيماتٍ

تأليف: 

هي بضعُ غيماتٍ.. 

‏ رمى تموزُ فيها حقدَهُ‏

في بئرِهِ النَّاريَّةِ الأنفاسِ واختارَ السَّلامْ..

جعلَ الظهيرةَ جنَّةً

لِلعاشقَيْنِ الهاربينِ مِنَ الزِّحَامْ..

هيَ بضعُ غيماتٍ‏

‏ تَرفَّقتِ السماءُ خِلالها بمشاعرِ الأرضِ التي

عاشتْ على ظمأ

وما زالتْ تتوقُ إلى رسالاتٍ:

مِنَ الغيثِ الخجُولِ.. مِنَ النَّدى..‏

والأُغنياتِ الغارقاتِ بعطرِهنَّ..‏

الذائباتِ بِخَمرِهنَّ... الطيباتْ..‏

هُو ذا النسيمُ يَزُورُنَا برذاذِهِ السِّحْرِيِّ..‏

يفرشُ فوقَنا سُحُبَ اللآلئِ والزنابقِ..‏

يَسْتَحِثُّ ربيعَنا الغافي،‏

ويسألُنا الولوجَ إلى رياضِ

الرحلةِ الأُولى، ويَدْفَعُنَا

لِنعرفَ أنّنا نحيا ونشعرُ بالحياةْ..‏

لِنَكُنْ حَنينَّيينِ بعضَ الشيءِ..‏

وَلْنلعَبْ هُنا بينَ الكُرومِ..

‏ لِنعتصِرْ ظلَّينِ مَظْلُومينِ

جَفَّ النهرُ فينا، فَلْنُفَجِّرْ‏

نبعَنا المردومَ بالأحجارِ والقططِ الجريحةِ..‏

فَلْنكُنْ مُتَوحِّشينِ وطيبينِ..‏

لِنبتِكرْ لُغةً تُزَلْزِلُ أرضَنا الخرساءَ‏

فتَّتَنا تكلُّسُ كونِنَا المَنْخُورِ..‏

أَنهكَنا جَحيمُ الصَّيفِ..‏

أفقدَنا بقيَّة حُلْمِنَا..‏

جُعْنَا.. ظَمِئْنَا.. لم نعدْ طفلينِ..‏

أصبحْنا مِنَ القصصِ القديمةِ..‏

فَلْنُقَلِّمْ في تَلاحُمِنَا غُصُونَ الرُّوحِ والجسدينِ،‏

وَلْنحرُثْ سُهُولَ الحُبِّ فينا..‏

لم نعدْ طفلينِ.. أَنْهَكَنَا جحيمُ الصَّيفِ..‏

نحنُ الآنَ أقوى مِنْ تفاصيلِ الجفافِ

ومِنْ سِيَاطِ الشَّهْرِ إِثْرَ الشَّهْرِ‏

في دوَّامةِ الجوعِ المموسَقِ بالتفاؤلِ..‏

لنْ نُضيِّعَ أيَّ ثانيةٍ..‏

سَنَشْرَبُ كلَّ مافي النهرِ

نأكلُ كُلَّ مافي الحقلِ

نغرقُ في زُلالِ تَدَاخُلِ الأمواجِ في الأمواجِ

في العَسَلِ الشَّفيفِ..‏

وتعرفينَ سجيَّتي وأنا أُسافِرُ

كيفَ أهربُ مثلَ عُصْفُورٍ على الأغصانِ

مِنْ قَمَرٍ إلى قمرٍ..‏

شمالاً أو جُنوباً..‏

لا أُطِيلُ تَشَبُّثي إلاَّ إذا أحسستُ

أنَّ النارَ تزدادُ اندلاعاً في المكانِ!..‏

وقد أُقِيمُ بِكُلِّ رابيةٍ..‏

أُحَاوِرُهَا

وَأَبْتكِرُ الجديدَ من العباراتِ الشهيةِ..‏

لا أَكِلُّ.. ولا أَمَلُّ..‏

وأفتحُ الدنيا..‏

وأجلسُ فوقَ عرشيَ‏

ويكأنَّ المُلْكَ يأتي مِنْ مُحاورةِ الحَمَامْ؟!...‏

رَحَلَ الظَّلام...‏

ورميتُ عَنْ كَتِفَيَّ هذا الكونَ..‏

أعلنتُ التَّبرُّؤَ مِنْ جميعِ الناسِ..‏

ذاكرتي تقيَّأتِ السنينَ بكلِّ مافيها

كأنِّي قد وُلدتُ الآنَ...‏

أَغْتَرفُ الحنانَ

كما أُريدُ...‏

وأمزجُ الألوانَ..‏

أرسمُ لوحتي بطريقتي..‏

وأَخُطُّ بالحبرِ المُعَطَّرِ بيتَ شِعْرٍ

لا يُفارِقُني صَهيلُ الرُّوحِ فيهِ..‏

تصاعدَ الإيقاعُ في لُغتي

وبابُ القلبِ موْصُودٌ بيأسي!..‏

لنْ تُحطِّمَهُ يَدٌ بشريَّةٌ أبداً..‏

وهذا الصَّبْرُ أقبحُ عادةٍ نعتادُها

والصيفُ يُوشِكُ أَنْ يُقَطِّعَ لحمَنا

ويُسَرْطِنَ الإحساسَ فِينا..‏

لنْ نجوعَ ولنْ نَضِيعَ..‏

ولنْ نبيعَ الجوهرَ المكنونَ فينا..‏

لم نزلْ مُتَدفِّقينِ على الحياةِ‏

نَعُمُّها بِكُنوزِنَا..‏

ونَضُمُّها بِحنينِنَا..

لا.. لنْ نمرَّ مُرورَ جَدَّينا..‏

سنبني قَصْرَنا

ونُطِلُّ مِنْ شُرُفاتِهِ وقتَ الأصيلِ

ونحتسي فنجانَ قَهْوَتِنَا..‏

ونُصْغِي للأغاني والملائكةِ الذينَ

يُهَدْهِدُونَ الرُّوحَ في نظراتهمْ...‏

سَيَظَلُّ هذا القصرُ بعدَ مُرورِنَا..‏

والبِضْعُ غيماتٍ ستبقى تحتوينَا..‏

لنْ تُغَادِرَنَا..‏

وَحُبُّكِ مثلُ رُوحِكِ ذُو مواهبَ

والسَّعادةُ نحلُها مُتَعَطِّشٌ لِرَحيقِنَا..‏

ولشمسِ تمُّوزَ ابتهاجٌ باندلاعِ حريقِنا..‏

وأنا وأنتِ القادرانِ على الوصُولِ!..‏

لا.. لن يُشَتِّتَنا انفراجُ البابِ..‏

لن تتحطَّمَ الشُّرفاتُ..‏

لن تفنى القصائدُ..‏

لنْ أَزُولَ.. ولن تَزُولي!..‏

فأنا وأنتِ القادرانِ على الوُصُولِ..