لا تحكي بتسخم

تأليف: 

كان خالد أمين مستودع المهمات (الذي يحتوى على البطانيات والشراشف) يقول  للعريف شعبان أمين مستودع الأسلحة دائما، عندما يشعر بأن لديه رغبة في الكلام في مناسبة ما:

 

-         شعبان لا تحكي.

 

وعندما سأله شعبان في أول مرة قال له خالد فيها ذلك الكلام

 

-         ليش.. ؟

 

رد عليه خالد:

 

-         لأنك بس تحكي بتسخم.

 

وبالفعل،  فالأشخاص الذين لم يثرثر أمامهم شعبان بأي كلام، لا يزالون يحترمونه حتى يومنا هذا، بسبب الرزانة التي يوحي بها مظهره، أما من تكلم أمامهم فقد سقط من اعينهم في نفس الجلسة التي ثرثر فيها.

 

اكاد يوميا اتذكر هذا القول المأثور للعريف خالد أمين مستودع المهمات اثناء خدمتي العسكرية، فكل يوم يظهر علينا علم من أعلام الفكر والسياسة في بلدنا ( او هكذا كنا نظنه على الأقل) ويتفوه بكلام، لا يسعك بعده إلا أن تعلق ( العمى ما أحقره)، ناسيا للحظات نضاله ومواقفه الشجاعة في مقارعة الاستبداد، ويأتيك آخر يطلق تصريحا لا يسعك بعده إلا أن تقول: (العمى شو حمار) ناسيا ايضا تاريخه النضالي، وعلى كلام ثالث تعلق (العمى ما أكذبه)، وللحقيقة فقد حيرني هذا الأمر، كيف لهذا أو ذاك ممن كنت تتعامل معهم كأيقونات أن يرتكب هذا الخطأ الفاحش، وقد وصلت إلى نتيجة مفادها أن لا علاقة للمواقف بالتفكير، فقد يكون الشخص بطلا ويكون غبيا في نفس الوقت، يتحدى القضبان وينتصر على عتم الزنزانة ولكنه حين يتكلم يسخم، لأنك لكي تحدد موقفا لا تحتاج إلا لعملية عقلية بسيطة الأبيض والأسود فيها واضحان، أما إذا اردت أن تقدم تحليلا فعليك أن تخوض في الرمادي لتحدد ضمن دوامته الخيط الأبيض من الخيط الأسود وهذا بحاجة لعملية عقلية معقدة، إن لم تكن قادرا على القيام بها فإنك حتما (ستسخم) بحسب نظرية العريف خالد امين مستودع المهمات، فلا يجوز مثلا أن تطلق حكما استراتيجيا اعتمادا على موقف شخصي عابر، لأن هذا لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال أساس لمثل هذا الحكم، كما لا يجوز أن تنفي واقعا يراه الناس على الارض، فقط  لتثبت صحة رايك.

 

 

والأمر لا يقتصر على (المفكرين والمناضلين)  فهو يتعدى ذلك إلى حملة لواء المعرفة الذين  يفاجئونك بأنهم حين يتكلمون (يسخمون)، حيث يكون الشخص ممن يمكن أن تطلق عليه لقب (العلامة الفهامة) وأنت على ثقة تامة بنفسك، فهو حين يتحدث في التاريخ لا يستعصي عليه اسم ولا تاريخ ولا واقعة جرت في بلاد العرب او بلاد الغال، في فترتنا المعاصرة أو ما قبل العصر الحجري، يعرف ما في بطون كتب التاريخ الممنوعة والمخفية في المكتبات بما فيها ما هو موضوع تحت الحراسة، حين يحدثك تكاد تقفز إلى سوق القبعات لكي تشتري قبعة وتعود بسرعة لترفعها له، ثم تفاجأ في مكان آخر بأنه يتكلم بكلام أقل ما يمكن قوله فيه أنه كلام نتن فتضرب على راسك قائلا: ( العمى شو تافه)، كيف يتحدث هذا العلامة العارف بهذا الشكل؟ غير معقول، ولكنك لا تحتاج إلى كبير عناء لتكتشف السبب، فهذا العلامة وهبته الطبيعة دماغا قادرا على التخزين ولكنه ليس قادرا على التفكير، فهو يحتوي على معلومات لا تقدر بثمن، وبنفس الوقت عاجز عن التفكير، مثله مثل جهاز الكمبيوتر مجرد صندوق لهذه المعلومات.

 

أما محطات التلفزيون فتتعامل مع هؤلاء على مبدأ (لقينا حمار نركبه) ولذلك فبمجرد ان يبدا التفكير أو يكتشفون أنه يفكر تجده يختفي عن شاشاتها.

 

يا ترى، لو تسنى لنا الاطلاع على ما يدور في الرؤوس، لكم مفكر سنضطر أن نقول كما قال العريف خالد أمين مستودع المهمات للعريف شعبان أمين مستودع الأسلحة، وانطلاقا من حبنا لهم : ( لاتحكي بتسخم)؟