هذيان الأصوات

تأليف: 

لا يختلف صندوق الانتخابات في بلادنا عن صندوق القمامة، لا بل أن صندوق القمامة أكثر فائدة منه، فقد كانت جميع انتخاباتنا صورية، ومن هنا فإن الصوت الانتخابي لم يكن له قيمة أبدا، لأنه لم يكن تعبيرا عن حالة ديمقراطية، وهو لن يكون كذلك في المرحلة المقبلة مع تقديري واحترامي لرأي المتفائلين، الذين لا أشاطرهم تفاؤلهم مثقال ذرة، ربما ستتحسن حالة الصوت الانتخابي قليلا فيصبح كيلو غرام من السكر او قنينة زيت، أو ربما وعد بآخرة مريحة، ولكنه سيبقى غير فاعل وسيبقى مثل شهادة الزور التي يأخذ بها القاضي لإصدار حكمه، ولهذا السبب فإن ما سأقوله لن يكون له أي مفعول، ولن يتعدى كونه مجرد هراء، أقله حتى نهاية الاستبداد التالي بعد مئة عام المقبلة، ولكي تتضح وجهة نظري لا بد من مقدمة صغيرة.

ما الذي نفعله عندما نرمي صوتنا في غياهب الصندوق الانتخابي؟ سؤال اطرحه على نفسي  وأجيب عليه بنفسي كوني أعتبر كل ما سأقوله عبارة عن مونولوج، الإجابة على السؤال بسيطة جدا، نحن عبر عملية التصويت نختار مستقبلنا القريب، الذي يشكل خطوة من مستقبل الشعب بشكل عام، ولأنه هناك اختلافات في وجهات النظر حول هذا المستقبل تجري عملية التصويت، وهنا تكمن المصيبة، لأن كل من هب ودب يملك الحق بالإدلاء بصوته دون الأخذ بعين الاعتبار لأي شروط أخرى، والخطير في الأمر أن الجميع يتساوون في ثقلهم الانتخابي، فالرجل الأمي يعادل وزنه الانتخابي وزن عالم الاقتصاد، ولو أجرينا حسبة بسيطة سنكتشف أن عدد علماء الاقتصاد حتما لا يقارن بعدد الرجال الأميين، ونستخدم كلمة الأميين هنا بمعناها المجازي، وبالتالي فإن الخيار في يد الأميين، لأن الرجل الأمي  عندما يصوت فإنه لا يعبر عن رأيه، هو لم يقرأ الدستور الذي يصوت عليه وليس لديه القدرة على ذلك، وأن قرأه فهو على الأغلب لن يفهمه،  وبالتالي فهو سيصوت لقنينة الزيت التي سيمنحه إياها الطرف الأقل نزاهة في الانتخابات، فهذه رشوة معلنة لا يقدم عليها النزيهون، أو سيمنح صوته الانتخابي للطرف الذي يستطيع أن (يلعب بعقله) كما يقولون، باختصار تنقلب الانتخابات هنا إلى مؤامرة معلنة على مستقبل البلد والشعب، لا اختيار لهذا المستقل.

من ناحية أخرى لماذا يصوت الرجل في الثماني من عمره مثلا؟ من هو في مثل هذه السن بنسبة سبعين بالمئة على الأقل، لن يسمح لهم الزمن بالتمتع بالفترة الانتخابية التي قاموا باختيارها، إنهم، ورغم أن العبارة مؤلمة، يختارون لمن هم اكثر شبابا منهم،  قد يقول قائل بأن كبار السن مجربين وحكماء، وهذه أكذوبة كبرى، فمن بين كل مئة رجل مسن ربما يتمتع رجل واحد بالحكمة، وأغلب ما يقال على لسان غالبية ممثلي هذه الفئة العمرية ينتمي إلى عالم الترهات، بكلام آخر فإن الشخص من هذه الفئة يقوم باغتصاب خيار  الشخص الشاب الذي سينتفع او يتضرر من هذا المستقبل بينما لن يتأثر جده بهذا كونه أصلا على التقاعد، ويكمن الخطر في ذلك ان معظم هؤلاء خياراتهم تنتمي إلى فترة أقدم، فالكثير مما ابتدعه البنون، يعتبر انحلالا أخلاقيا، او سخافة على اقل تقدير، في نظر الآباء، ونحن نعرف أن هذا غير صحيح، فصراع الآباء والبنين، هو دينامو التطور، لأن اي قيمة لا يمكن ان تكون خالدة كل شيء يشيخ ويهترء ولا بد من نقلة نحو  الأمام، فأي منظومة مهما بلغت حيويتها ستصل إلى مرحلة الركود والانحطاط، إذا لم تتجدد بشكل مستمر، ونحن كشعوب لدينا قناعة ساذجة بأن الماضي هو (الزمن الجميل)، ودائما لدينا حنين إلى هذا الماضي، علما أنه لا يوجد في هذا الماضي ما يمكن أن نحسد عليه أجدادنا، فهو ماض مليء بالطغاة، بالمجاعات، بالنزاعات، بالجهل وهكذا دواليك، ومع ذلك يسميه الكثيرون منا (الزمن الجميل)، إنه ليس جميلا على الإطلاق، وبسبب هذا بالذات فإن أصوات أنصار (الزمن الجميل) هي بمثابة عصا في العجلات، أو حتى يمكن القول أنها السرعة الخلفية في علبة السرعة.

باختصار فإنني اقترح  مخرجا من هذه المساواة التي تفتقر إلى العدل، وهو أن يكون للصوت الانتخابي قوة انتخابية تزيد أو تنقص بناء على شروط معينة.

مثلا: بناء على الدرجة العلمية، يمنح لصوت الشخص المتعلم قوة تعادل صوتين، وإذا كان عالما يكون لصوته وزن عشرة أصوات أو حتى مئة صوت، ولكي لا يحصل ظلم في هذا المجال لأن هناك من هم مثقفون ولا يحملون شهادات، فإنه يمكن إجراء اختبارات  لمن يرغب بالحصول على وزن إضافي لصوته الانتخابي، كذلك يمكن التقسيم بناء على الفئة العمرية، فمن هم بين الثامنة عشر والعشرين يكون مثلا صوتهم  بقوة صوت ونصف، ومن هم بين العشرين والخمسين يكون صوتهم بقوة صوتين، وحتى  السبعين صوتهم بقوة صوت واحد، ثم بعد ذلك صوتهم بنصف صوت، وعلى العموم فإنه إذا اخذ بهذا الراي يوما ما، فلا بد من إيجاد آلية مدروسة  لهذه العملية، توفر العدالة الصوتية في الانتخابات.

(نهاية الهذيان)