تيس أبو عفلميش

تأليف: 

لا أدري كيف أنتشر الخبر، لكنه جاء بسرعة البرق: تيس أبو عفلميش من قرية "الميدان"نطق! نطق بكلمات  عجيبة! جوابا على السُؤال، ماهي تلك الكلمات، لم يتجرأ أحد على الإجابة! لكن الناس كانت تتهامس فيما بينها وانتقل الجواب همسا من واحد إلى آخر وعلمت القرية كلها تلك الكلمات. كان ببساطة شعار الحزب:أمة عربية واحدة. لم أستغرب هذه الصجة وكانت توقعاتي في قمة التشاؤم. توقعت أولا إن أبو عفلميش وتيسه جاء أجلهما وخاصة أبوعفلميش، فالتيس لا يهمه إن ذبح أم لم يذبح فكل التيوس تنتظر الذبح إذا قَلَّت فائدتها. إذا افترضنا إن التيس ذُبح في نهاية المطاف، ما هذا الهم العظيم! نحن نعلم إن لا أحد سيبكي في جنازته حتى وإن أُقيمت هذه الجنازة. أما أبوعفلميش؟! لا أدري ماذا أقول لكم لأسباب عديدة: أولا: إسمه الغريب-أبو عفلميش! من أين له هذا الاسم الغريب سيتساءل الحزبيون! تساءلت أنا أيضا وبحثت في كافة القواميس والمعاجم لعل وعسى أن أجد معنى له ولكن باءت كافة محاولاتي بالفشل عدا واحدة. قلت ماذا لو إن إسمه مُركب من الأحرف الأولى لأسماء أخرى معروفة كما جرت العادة في اللغات العالمية مثلا؟!. انطلقت إلى البيت وبدأت أتصفح كتب وموسوعات كانت لدي من أولها  إلى آخرها. وقارنت الأسماء وأسماء العائلة، وحتى أسماء أمهات القياديين ففشلت في البداية لأنني تناولت أسماء أناس مازالوا ينشطون ويطبلون ويزمرون منذ عقود فِي كافة المجالات، إلى أن قالت لي زوجتي التي تكره أحدهم أشد الكره فذكرت إسمه. رحت أقارن وأستبدل الأحرف الأولى في إسمه وإسم عائلته. وكم كانت دهشتي شديدة حينما عثرت على تطابق مائة بالمئة مع اسمه واسم عائلته وإن عفلميش إسم مُركب منهما. قد يشك بعضكم بأنني أنا الذي ركَّب الإسم، لكن أقول لكم: كلا وألف لا! هذا محض صدفة لا أكثر ولا أقل!. وما أَن إنتهيت من هذه المعضلة حتى واجهتني أخرى ألا وهي: لماذا سمى أبو عفلميش تيسِه بـأبو ثُّعْبة؟! وحده الله يعلم من أين جاء به! رحت أبحث في المعجم الوسيط والقاموس المحيط وغيرها من المعاجم فوجدت في لسان العرب الشرح التالي للكلمة:"وهي ضَرْبٌ من الوَزَغ تُسمى سامَّ أَبْرَصَ، غير أَنها خَضْراءُ الرأْس والحَلْقِ جاحظةُ العينين، لا تَلْقاها أَبداً إلا فاتِحةً فاها، وهي من شَرِّ الدَّواب تلدغ فلا يكاد يبرأ سليمها، وجمعها ثُعَبٌ. 

     أخيرا وليس آخرا وجِدت تفسيرا ولو لكلمة واحدة في القواميس! وقلت في نفسي قد لا يسلم أبو عفلميش من هذا الخطأ الذي ارتكبه لإن هذه التسمية، كما تلاحظون قريبة اللفظ من تسمية أخرى لها معنى كبير وقوي! بدأت أصلي من أَجل أبو عفلميش بسبب كل هذه التطابقات في المعاني.

   زادت تساؤلاتي كلما تعمقت في التفكير بتيس أبو عفلميش المقرف الذي سيسبب البلاوي في ليلة وضحاها لقريتنا التي لا تبعد عن قرية الميدان سوى كيلومترا واحدا، وكم من الهم سيجلبه هذا الحدث الطارئ! وفجأة، بدأت أفكر لا شعوريا بمعنى إسم قرية الميدان! لماذا؟ لا أعلم! ربما لأن الحزب يسجل كل شاردة وواردة تتعلق، سواء بالأحداث أو الاشخاص ويحللها أيما تحليل إلى أن يربط بشكل وثيق بين المعطيات كلها لكي يدين الحدث أو يعاقب الأشخاص! ودهشت أشد الدهشة حين أكتشفت إن الحزب تأسس في حي الميدان المعروف جدا! فقلت ياويلك يا أبو عفلميش! إنها نهايتك مهما كنت من رجل صالح ولن يسعفك كون والدك رئيس عشيرة الوحراش!

وكما يحدث حين تتخاطر الأفكار وتتوالى الواحدة إثر الأخرى، إستشفيت من إسم عشيرته معنى خطيرا جدا، فقلت في نفسي-رغم إن الأمر لا يخصني: هل هذا يعني؟، أم، هل معناه: وحدة، حرية، إشتراكية؟!!.. نهضت مرة أخرى وقلت: لا!، غيرممكن. كل هذه المصائب دفعة واحدة وفي يوم واحد تقع على رأس أبو عفلميش المسكين؟!.

توقعاتي ومخاوفي كانت في محلها نسبيا. أَقُوْل نسبيا لأن أول زائر لقرية الميدان كان من أهلها وإسمه أحريس!
     لن أتحدث عن هذا الشاب الشبيبي كونه شخص بمنتهى التفاهة لا يستحق الوقوف أمام إسمه، إذ أنه لَم يكن سوى طالب يصر، على الرغم من مواهبه الشحيحة جدا، أن كون شاعرا، وشاعريته لا تتعدى حدود عائلته المؤلفة من ثمانية أشخاص. وهذا برأيي جمهور غقير لشاعر مثله! خلاصة القول، جاء الشاعر ببدلة سفاري بلون الخاكي، كما يفعل كل الحزبيين الكبار ليؤكد بأنه لم يعد ذلك الأحدريس، بل مسؤول وشاعر في نفس الوقت! ولن يستطيع أطفال البارحة -الذين كانوا يغيظونه بمناداته بالضفدعة لرأسه المفلطح وأنفه الأفطس – بالسخرية منه! أكتفي هنا بإن أورد مقطعا شعريا من أشعاره لكي تحكموا على مواهبه:
هلَّ فجر الميدان العتيدا
والفلاح ينهض من جديدا!

من جديدا من جديدا
     والمعلومة الاخيرة عن هذا الشاعر الشهير سمعتها من أحد أصدقائي الخبثاء والذي قال بأن الشاعر أحريس كان يحمل أثناء إمتحانات اللغة العربية(راشيتات) مخفية في جواربه!
     أول شيء فعله الشاعر هو إنه زار أبوعفلميش ليتأكد من الخبر الهام. قاده الأخير إلى الزريبة وما أن رآهما التيس حتى نطق بالشعار وهو يحك حافره بالأرض ويفرز روثه. أثار التيس سحابة خفيفة من الغبار فأشاح الشاعر بوجهه الذي إرتسمت عليه أبتسامة مسالمة. لم يكن  يعلم أبدا أبوعفلميش بمخاوفي ولذلك كان لطيفا وودودا أيضا لا يشك في شيء بتاتا. ضحك الشاعر وهو يثني على التيس وقال في سريرته: حتى التيوس تعرف شعاراتنا؟!!حقا شيء رائع!. لكنه تذكر كلام رئيس فرقته الحزبية الذي طلب التأكد من أن لا مؤامرة تحاك ضدهم من قبل قوى معادية كونية أداتها سكان القرية وخاصة أبوعفلميش!، وهل من مندسين في القرية!!.

   عاد الشاعر إلى المدينة من مهمته، مدفوعة الأجر سلفا وجلس يكتب تقريرا مفصلا عن مشاهداته بدأها بالتالي:

" عاجل جدا!!

 يجب على فرع الحزب شراء التيس بأسرع وقت ممكن...لماذا لا نستفيد نحن منه بدلا من ذلك القروي القذر...سنغسله وننظفه ونربطه في باحة مقر الحزب وبذلك يكون الربح لنا من كافة النواحي، أولا: سيصبح المقر قبلة للزائرين من كافة أنحاء القطر وسيتضاعف عدد الرفاق .. ثانيا: سنجعل الدخول لمشاهدته بعشر ليرات مما يرفع من ميزانية الحزب وبإمكاننا شراء تيوس أخرى وتلقينها الشعار، وهذا أمر سيجعلنا نبني زريبة كبيرة وقابلة للتوسع إلى إسطبل يدر علينا دخلا كبيرا من كافة النواحي المادية والفكرية...    

 والخلود لرسالتنا

الرفيق أحريس".

     قوبلت اقتراحات الشاعر بترحاب كبير من قبل المسؤولين وتبددت وذهبت كافة مخاوفي في مهب الريح إذ لم أكن أتوقع أن تكون لكلمات: والخلود لرسالتنا، هذا المفعول الغريب والسحري على قيادة الحزب!

     تنازل أبو عفلميش عن التيس بسهولة بعد أن علم من جهات خفية بالمخاطر المحدقة به إن ظل التيس في زريبته، وانتقل التيس ليعيش حياة أخرى، معززا مكرما في باحة المقر...

     للحادثة بقية لأنني سأتابع خفاياها وسأكتب عن نهايتها في القريب العاجل لأن نسل التيوس، كما تعلمون، لا ينقطع ويتكاثر بنفس سرعة تكاثر الأرانب.