ورقة ٌ ثقيلة ٌ

تأليف: 

على امتدادِ المساحةِ المقفرة ، نبتت قلوب ٌ كثيرة ...
صغار كانوا يلعبون بالحصى كرة القدم... ونساءً يخبزن َ الماء

امتدت الخيام ُ كثيرا ً حتّى تعب نظري ، لم أستطع أن اقدّر عددها ولم أسأل.
في الزّاوية ِ التي دلّوني إليها ، خيمة ٌ وحيدة ٌ فقط خرجت عن التنظيم للأرتال، فقصدتها.
ساكنوها لم يدهشوا لوجودي فقد كثر الصحفيون والمتبرعون والزائرون والسّيّاح والمتفرجون ممن زاروا المكان.
كان هناك رجلٌ مقعدٌ لم يجلس على كرسيِّ لعدم توفّرها ، وسيدتان احداهما فقدت ذراعها وقد شفيت، كما وصفوهم لي تماما.
نهضت السيّدة المعافاة إلّا من جراح القلب المثخن وسألتني:
" هل تريد عروساً ؟؟ أم انك صحفي ؟؟ "
عندما نفيت كلا الجوابين ، أردفت:
"…!!! وإنني لا أرى معك معوناتٍ إن كنت َ متبرعا ً"
على الرغم من ازدحام المخيم فقد عرفت أنني غريب ، ربما بسبب الحقيبة التي تدلت من على كتفي.
بعدَ طول ِ تمعّن ٍ ، لم أشأ أن أُضيّقَ أفق تساؤلاتها بإجاباتي، فصمتت ُ أكثر متفرّسا ً بمعالم ِ وجهها الذي أثاره الفضول.
لم تسأل مرّة ً أخرى مبرهنة ً على عظمة ِ كبريائها فقررت أن أتكلم بعد أن طال صمتها وبعد أن ابتلعت خوفي وأمتلاتُ جرأة ً فقلت:
 "أنا من قبل جابر ، ابنك جابر ، بعد أن علم جماعتكم بأنني سأخرج من سورية حمّلوني بخبر ٍ أرهقني وأثقلني ، أخشى أن يضيقَ صدرك بة وألّا يقو َ قلبك ِ على استيعابة وتحملّه.."
شاح نظرها عن عيني َّ قليلا ً، ثم قصدت باب الخيمة وانحنت ملتقطةً حفنة تراب ٍ ومن ثم ناولتني إيّاها،
أخذت ُ الحفنة منها مستغربا خائفا ً حزيناً من ردة الفعل تلك.
قالت : " خوذ يمّا هذول مش أغلى من تراب الوطن لكن رشهم على قبر الغالي جابر وقلوا مجبولين بدموع امك ورضاها..."
خرجت ُ من المخيّم وبدأت حفنة الرمل تختلط بعرق كفّي.
كيف لم أقل لها بأنني لستُ عائدا الى سورية ؟؟
كيف لم أحسم الأمر واعلمها بأنني حتّى لو عدّت فإن إمكانية وصولي لمكان جابر شبة مستحيلة ؟؟
كيف لم أعطها ما حُمّلت ُ بة من وصايا وأخبار قصدتها خصيصا في سبيل إيصالها ؟؟
كيف لم أنفِ خبر َ استشهاد جابر عندما أكّدت هي ذلك واستبقت حديثي ؟؟
لربما توقّعت ُ أن الجمل َ الذي يصبرُ على العطش إن أشربتهُ الماء سيرفضهُ قبل َ أن يعطش...!!
لم أخبرها بأن َّ جابر سيقصدهم قريبا ً بعدَ أن قررَ النّزوح أيضا.....
رميت حفنة الرمل من يدي ونفضتها جيّدا ً ، ثم مشيتُ ليسَ نحو مستقبلي ، بل بطريقٍ كنتُ قد جئت ُ منه.