رمــــز الأمــــــة

ترجمة: 

عندما تتحد بضع قبائل في شعب تظهر الحاجة لديهم، بصورة أو أخرى، إلى تعيين  مجتمعهم وتمييزه عن المجتمعات الأخرى. غالباً ما تتحول رموز الأصالة والتميز هذه إلى إشارات فريدة، مرسومة على الرايات أو الشعارات، ومسطورة في الأناشيد والشعارات المطلقة.

إن اختيار رمز الدولة أمر عظيم، فهو يجب أن يعني شيئاَ لأفراد الأمة، ويشكل لها صورة نمطية عمومية في أذهان المحيطين.

كانت الرايات (الأعلام) أقدم هذه الرموز، أما أقدم الأعلام والذي حافظ على شكله دون تغيير حتى الآن، فهو العلم الدانماركي (دانيبورغ). تقول الأساطير: إن هذه الراية قد أهداها الإله ذاته للشعب الدانمركي في العام 1219. ففي 15 تموز من ذلك العام، كان الملك برفقة الأساقفة يقود معركة ضارية مع سكان إستونيا (دولة على بحر البلطيق) وكانت الجيوش الإستونية أقوى، واستعد الدانمركيون للاستسلام، حينما هبطت من السماء في يد الملك قطعة قماش حمراء كبيرة عليها صليب أبيض (دانيبورغ)، وبالطبع ارتفعت معنويات المقاتلين وانتصروا في المعركة. وعلى الرغم من غياب القيود التاريخية على هذه الواقعة، فإن الدانمركيين يقيمون سنوياً احتفالات عظيمة بعيد ظهور رايتهم الإلهية.

 

(لوحة تمثل هبوط العلم الدانمركي من السماء)

كذلك ظهرت أثناء المعركة الراية النمساوية، إذ كان الدوق ليوبولد الخامس يقاتل بشجاعة وإقدام إلى جانب مواطنيه، وبعد إحدى المعارك الدامية في الحملة الصليبية الثالثة، وجد أن لباسه الأبيض قد اصطبغ بالدم، وعندما خلع مئزره، لاحظ أن الدم لم يتسرب إلى ما تحته. فأعجب الدوق المقاتل بتآلف المساحة الحمراء مع الشريط الأبيض في الوسط أيما إعجاب، حتى اتخذهما ألواناً لرايته الخاصة، التي أصبحت فيما بعد راية النمسا الوطنية.

 

(الملك ليوبولد الخامس)

 

أما الراية التي لم تخضع لأي ديكور أو تزيين وكانت من لون واحد- فهي الراية الليبية (في عهد القذافي) ذات اللون الأخضر- "اللون المقدس عند المسلمين".

(العلم الليبي السابق)

 

إذا تم قلب الراية الأندونيسية  رأساً على عقب فهذا يعني أن البلاد في حالة حرب، وفي أي دولة تقريباً، يشير رفع العلم مقلوباً إلى حدوث كارثة في هذا البلد.

 

(علم اندونيسيا)  

درجت العادة والتقاليد أن الراية والشعار عنوان الدولة فقط، أو الأعيان في الماضي ، غير أن الواقع  يبدي غير ذلك: فالغجر مثلاً، لديهم رايتهم الخاصة بهم، التي تم اعتمادها أثناء المؤتمر العام للغجر في لندن في العام 1971. ويتألف العلم من قسمين: أزرق من الأعلى يرمز للسماء، وأخضر من الأسفل يرمز للأرض، تتوسطه عجلة "دهارما" - رمز تعاليم بوذا. وهذا يدل على الأصول الهندية للقبائل الرحل، ونمط معيشتهم. مع ذلك، يفضل غجر أوروبا الشرقية وضع رأس حصان على راياتهم.

 

( راية الغجر برموزها الحية الأرض والسماء)

 

لقد كثرت وتنوعت الرسوم والصور على أعلام مختلف الدول: من رقعة الشطرنج (على علم كرواتيا) إلى بندقية كلاشينكوف (على علم موزامبيك)، وهما بالمناسبة، الأداتان اللتان تم بوساطتهما نيل سيادة البلدين. وإن كان الأمر واضحاً بخصوص الثانية، فإن تاريخ رقعة الشطرنج جدير بالتذكير. يقال: إن الملك الكرواتي – سفيتوسلاف سورونيا- ربح جولة شطرنج مع حاكم البندقية- بيترو الثاني- وكان الرهان على هذه الجولة مدن دالماسيا (مملكة في شمال شبه جزيرة البلقان) والتي باتت فيما بعد سبباً لازدهار المملكة الكرواتية.

                                              

                                                                                (  لوحة لعبة الشطرنج و شعار كوراتيا)

 

 

(شعار موزامبيق)

علم جزيرة صقيلية: قنديل البحر- غورغون (وجه امرأة شعرها من أفاعي- شخصية أسطورية) يخرج من رأسها ثلاث أرجل منطوية وثلاث سنابل قمح- وتعني صورة هذه المخيلة الغنية- أن جزيرة صقيلية مثلثة الشكل، أما وجه المرأة، فيقول أهل الجزيرة: إنها ليست صورة الأسطورة، بل امرأة صقيليّة رائعة، تشبه قليلاً صورة الأسطورة.

 

(شعار جزيرة صيقيليا)

بالطبع، لا بد لرمز الدولة من أن يستدعي في خيال الآخرين ما يتناسب وهذه الدولة. وأكثر هذه الرموز موائمة: صورة القيثارة المثلثة الذهبية (أرفا) على شعار إيرلندا، حيث تعد رمز الأمة منذ القرن الثامن عشر. تقول الأسطورة: إن هذه الآلة أهدتها الآلهة لحاكم "داغده" ليعزف عليها جالباً الفرح والنور للأرض بأسرها.

   

(شعارات لايرلندا)

 فيما يحمل علم البرازيل معنى عميقاً، إذ هو عبارة عن مساحة خضراء يتوسطها معين أصفر داخله دائرة زرقاء، ترمز للسماء، وفيها نجوم متموضعة تماماً، كما سطعت في سماء ريو دوجينيرو صباحاً في التاسعة و الدقيقة 22 و 45 ثانية، في 15 تشرين الثاني 1889، لحظة الإعلان عن قيام جمهورية البرازيل.

 

(علم البرازيل)

 أما علم جزيرة غرينادا الصغيرة فيضم جوزة الطيب، إذ يحبها أهل الجزيرة هناك لدرجة أنهم ضموها إلى رمز بلادهم، وليس الأمر مدهشاً، إن علمنا أن صادرات البلد من هذه المادة تدعم ميزانيته.

 

(علم غرينادا) 

والمريخ أيضاً له رايته، حيث يتألف من ثلاثة ألوان عمودية، القسم الأحمر ويرمز للكوكب ذاته، يليه القسمان: الأخضر والأزرق، ويرمزان لمراحل اكتشاف الكوكب. ابتدعت هذه الراية جمعية المريخ في نهاية القرن العشرين.

 

(علم المريخ)

أما تاريخ علم القراصنة الأسود (احتوى فيما بعد على الجمجمة والعظمتين) الذي كان يبعث الرعب في قلوب البحارة، فتسرد أصله قصص خمس على الأقل، إحداها تقول: إن الفرنسيين كانوا يرفعونه على السفن قبل المعارك الدامية؛ وأخرى أقرب إلى الواقع، تقول: إنه حينما كان يتفشى أحد الأمراض المعدية في سفينة ما، ترفع هذا العلم، منذرة السفن الأخرى من الاقتراب منها، وقد استخدم القراصنة هذه الحيلة لإبعاد أعين السلطات الرسمية عنهم.

 

(علم القراصنة)

أول شعار في العالم، حسب زعم المؤرخين، تلقاه جودفروا أنجويسكي من أبي زوجته- ملك إنجلترا هنري الأول. كان مرسوماً عليه ستة أسود ذهبية على خلفية حقل لازوردي. الجدير بالذكر، أن الشعارات التي تحمل معاني، كانت في روسيا أكثر منها بكثير في أوروبا، ويعزو خبراء الجيرالديكا (العلم الخاص بالشعارات) ذلك، أن الروس كانوا يفترضون بأن المعنى أهم من التقاليد التاريخية العصية على الإدراك. أما شعار روسيا الرئيسي- نسر ذو رأسين- فجذوره بعيدة، حيث كان كانت هذه الصورة الأسطورية شعاراً للأباطرة البيزنطيين، وبالذات لآخر الأسر الحاكمة "باليولوغ"، ثم انتقل هذا الشعار إلى إمارة موسكو، وذلك بعد اقتران القيصر إيفان الثالث بصوفيا باليولوغ، وساد هذا الشعار إلى يومنا هذا.

 

(شعار روسيا)

اليابان هي الدولة الوحيدة التي لا تملك شعاراً حكومياً، لكنه موجود لدى دار الحكم- الامبراطور. تتحدث الأسطورة: ان الامبراطور- غوتوبا إين - الذي جلس على العرش في نهاية القرن الثاني عشر كان مولعاً بالزهور، خاصة الأقحوان الصيني، لدرجة أنه جعل من زهرته صفراء اللون رمزاً رسمياً له. وفي العام 1769 تم الإعلان عن اتخاذ هذه الزهرة رمز لمقر الإمبراطورية.

 

(شعار اليابان)

فتحت الموسيقا الاحتفائية لأغاني المديح، تكريماً لملوك إنجلترا، صفحة الأناشيد الوطنية في العصور الحديثة، وقد بدت تلك الموسسيقا في وقتها لبقية العالم موفقة لدرجة، أن قامت الكثير من بلدان العالم بعزفها لملوكها وقياصرتها آنذاك. وبلغ عدد الأناشيد الوطنية في القرن التاسع عشر /20/ نشيداً، كانت جميعها تعزف ذات الألحان.

مجلة "بلانيتا" أيلول- 2012