كاتيوشا

"كاتيوشا" هو الاسم المصغر من اسم "كاتيا" الذي يعتبر بدوره التصغير من اسم "يكاتيرينا" بالروسية، ما يعادله "كاترين" أو "كاترينا" بلغات أخرى، ولكننا هنا لا نتحدث عن الاسم بحد ذاته، إنما عن سبب شهرة الاسم الذي اطلق على راجمات الصواريخ التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية  ولا يزال يطلق عليها حتى الآن، ولكننا ايضا لا نريد الحديث عن راجمات الصواريخ هنا، فسبب تسمية راجمات الصواريخ بهذا الاسم هو الأغنية الحربية الشهيرة التي جعلت الاسم مشهورا على مستوى العالم، الا وهي أغنية "كاتيوشا: ذات الكلمات البسيطة التي رددها الكثيرون في مختلف أنحاء العالم وجعلوا منها اغنية ثورية بينما هي أقرب إلى ألأغنية الشعبية والفلكور، والكثيرين يعتبرونها من الفلكلور الروسي بينما هذه الأغنية في حقيقة الأمر ليست من الفلكلور، فلها ملحن هو "ماتفيه بلانتير" ولها شاعر كتب كلماتها هو "ميخائيل إيساكوفسكي"، وهي ليست قديمة جدا كما يتهيأ للبعض عندما يظنها فولكلور، فهي مولودة في الفترة السوفيتية، حيث قدمت لأول مرة في 27 نوفمبر 1939 بصوت مغنية تدعى "فالنتينا باتيشيفا"  في دار النقابات في موسكو، ثم بعد ذلك غناها الكثير من المطربين، كما غناها الكثير من المغنين والفرق الأجنبية بجميع لغات لعالم تقريبا بعد ان تم تاليف كلمات خاصة بها بكل لغة، ففي اللغة العربية مثلا تقول كلماتها:

قسماً بالورد بالسنابل
بالعيون السود بالرضيع
سنقاتل كلنا نقاتل
لنصون السلم والربيع
في غدٍ سنزرع الفيافي
خضرة والسهل والجبال
ونغني كلنا نغني
للهوى والسلم والجمال
إننا لنعشق السلاما
والنسيم العطر الرطيب
لكنا نعشق الحِمامَ
في سبيل الوطن الحبيب
قدسنا كانت هي الضحية
قدسنا كانت هي النجيع
حملت جروحها الندية
ومشت لفجرها السطيع

راية النضال لن تنكس
في سماء الوطن الجميل
في غدٍ جموعنا تكنس
ليل عهدٍ أسودٍ طويل
يا رفاقي اصرخوا جهارا
لن يعيق دربنا استعمار
هتلرٌ من قبل قد توارى
مجرماً مسربلاً بعار

وقد نجد بعض الاختلاف في الكلمات في مقطع من المقاطع بين بلد وآخر من البلدان العربية، ولكن كلمات الأغنية بالروسية تقول:

أزهر التفاح والأجاص

وسبح الضباب فوق النهر

وخرجت إلى الشاطئ كاتيوشا

إلى الشاطئ المرتفع...

خرجت وأطلقت أغنية

عن صقر الهضاب

عن ذلك الذي أحبته

عن ذلك الذي احتفظت برسائله.

 

أوه يا أغنية العذارى

حلقي خلف الشمس الساطعة

وللمحارب على الحدود البعيدة

من كاتيوشا  بلغي السلام.

 

فليتذكر تلك الفتاة البسيطة

فليسمع كيف تغني

فليدافع عن أرضه الأم

وكاتيوشا ستحافظ على حبه.

 

أزهر التفاح والأجاص

وسبح الضباب فوق النهر....

ومن المثير أن الشاعر كتب مقطعا من الأغنية وتركها وهذا المقطع يتضمن الفقرة التي تقول" خرجت كاتيوشا إلى الشاطئ المرتفع.." ويعلق الشاعر على ذلك قائلا، كتبت هذه الكلمات ولم أعرف ما الذي افعله مع كاتيوشا بعد أن خرجت إلى الشاطئ تغني، فتركت الموضوع.

وفي جلسة مع الملحن "بلانتير" ذكر الشاعر أنه بدأ بكتابة أغنية، وعندما أخذ الملحن المقطع منه بهر به وتفرغ لكتابة الموسيقى، وقد عمل كثيرا حتى وصل إلى الموسيقيى التي نعرفها جميعا الآن، ثم بدأ برفقة الشاعر بالعمل على كتابة بقية الأغنية.

وبدأ التفكير في موضوع الأغنية، ويقول الملحن أنهما برفقة الشاعر كانا يشعران باقتراب الحرب، وإضافة إلى ذلك فقد كانت الحرب في إسبانيا والمعارك التي خاضها الجنود السوفييت مع جنود الساموراي اليابانيين على ضفاف بحيرة حاسان لا تزال ماثلة امام أعينهما ولذلك قرروا أن تتحدث كلمات الأغنية عن الوطن والدفاع عن الوطن، وهكذا أضيف إلى موضوعات الأغنية السوفيتية في ذلك الوقت موضوع الفتاة التي تحب محاربا يدافع عن الوطن ، والجديد في هذا الموضوع والنقلة التي أحدثها على الأغنية السوفيتية هو أن الأغاني في ذلك الوقت والمتعلقة بالمحارب والمرأة كانت كلها تتحدث عن وداع المحارب سواء من قبل أمه او زوجته او حبيبته، وكانت كلها حزينة، تعبر عن الوداع وعن الموت، وفي هذا الخضم من الحزن ظهرت فجأة أغنية كاتيوشا التي تتحدث عن نفس الموضوع، ولكن المليئة بالفرح والأمل، فبطلة الأغنية "كاتيوشا" فتاة تفتخر بأن حبيبها هو محارب على الحدود البعيدة، الحديث عن الرسائل واستخدام عبارات الفتاة الروسية البسيطة التي تصف حبيبها بـ "صقر الهضاب" وهي تسمية سيشعر كل رجل بالاعتداد حين تسميه بها امرأة، كما أن أي امرأة تحب أن يكون حبيبها صقرا بما تحمل مفردة صقر من دلالات، واستخدام ذلك الاسم البسيط الناعم "كاتيا"، إضافة إلى أن الأغنية لم تتحدث عن الحزن والألم،  بل تحدثت عن إخلاص الفتاة لحبيبها الذي يؤدي واجبه الوطني، كل ذلك جعل من الأغنية مميزة عن شقيقاتها في ذلك العصر وساهم في انتشارها هذا الانتشار الواسع.