خزِّن لعل وعسى

تأليف: 

هي الشجرة التي ذاع صيتها حتى باتت رمزا من رموز هذا البلد ، انها شجرة القات، ومن لم يسمع بقات اليمن فكأنه لم يسمع بهذا البلد أبدا. 

شجرة تغري بأوراقها الخضراء اهل اليمن منذ قرون طويلة، جاءت من ارض الحبشة واستقرت هنا وتكاثرت الى ان بات لها مللا وأفخاذا، تراها في كل مكان على قارعة طريق فرعية وفي باحة المنزل وبالقرب من النافذة نعم كيفما نظرت تراها متمايلة بأغصانها الرقيقة وكأنها تناديك لجلسة طويلة، تلك الجلسة التي باتت لغالبية اهل اليمن تقليدا وتراثا، فاجلس وخزن لعل وعسى ....

ليست المرة الاولى التي ازور فيها أرض اليمن، الارض التي ولد من ترابها وطينها اجدادي العرب كما تقول كتب التاريخ، ولعلها الارض الوحيدة التي تركت في داخلي أثرا لم أتمكن الى الان ادراك معانيه، قد تكون جذوري فعلا عربية الصناعة وهذا ما يشدني دائماً الى هذه الارض علما انني أعرف تماما ان قبائلنا الشرقية قد تداخلت مع شعوب وقبائل اخرى، تداخلت وتناكحت مع الكثير من القوميات الاخرى لتولد فيما بعد بلادا واوطانا متناقضة و متعددة الأعراف والتقاليد وبعيدة كل البعد عن أعراف وتقاليد العرب والدليل على ذلك هو القات الذي يجري في عروق أهلي في اليمن فيما لم يسمع به الكثير من أبناء ما يسمى بالشرق العربي .....

جلست معهم مطولا في جلسة تخزين يمنية بامتياز ولساعات  تأملت وجوههم في محاولة لفك رموز تأثير القات على سلوكهم لكنني لم انجح ، تأملت طويلا انتفاخ افواههم وافكتهم مع مرور الوقت في محاولة لتحديد طعم القات لكنني لم انجح، تابعت أحاديثهم بانتباه في محاولة لإدراك تأثير تلك الاوراق على سلوكهم العقلي لكنني أيضاً لم انجح، تناولت حينها بعض أوراق القات ومضغتها قليلا ثم ابتلعتها في محاولة لخوض تلك التجربة وفهم معانيها لكنني لم انجح أيضاً ...

استمرت الجلسة طويلا ولم انجح في تخزين القات ولم أدرك شيئا من خصوصيات تلك الجلسة لكنني بقيت على حالي جالسا معهم لعل وعسى .....

استمرت الجلسة ولم الحظ مرور الوقت من كثرة الأحاديث الشيقة والمواضيع الحساسة التي أثيرت الى درجة انها  كانت كفيلة بتكوين صورة كاملة عما يجري في اليمن على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي علما ان تلك الجلسة كانت في اليوم الاخير من مهمتي التي استمرت لأسبوعين وطوال تلك الفترة كنت كل ما عرفت اكثر عن الواقع اليمني كل ما ازدادت تساؤلاتي ....

لم أدرك معاني جلسة التخزين ولا حسناتها ولا سيئاتها لكنني أدركت انها ليست جلسة عبث على الرغم من انها تقتل الوقت ،  وليست جلسة عدم لأنني خرجت منها بالكثير من الإجابات التي كنت ابحث عنها في معجم الواقع اليمني المعقد ، وليست جلسة فلسفة بائسة لان كثيرا من لحظات المتعة تخرقها بين الحين والآخر ، وليست جلسة تخدير للعقل والأعصاب  كما كنت اعتقد لأنها مليئة بالإثارة، وليست جلسة كذب ونفاق على الطريقة العربية لان فيها الكثير الكثير من الصدق، باختصار جلسة سلطنة يمنية بامتياز ..... فاجلس وخزن لعل وعسى .....

فما اروع ان تسقط أنظمة وتتكون اخرى وأنت مخزن 

ما اروع ان تأتيك اخبار تبديل صور القادة والحكام والأمراء والملوك في الادارات الرسمية والوزارات والمطارات ما اروع ان تأتيك تلك الاخبار وأنت مخزن 

ما اروع خبر انفجار الثورات في الشوارع والساحات المجاورة وأنت مخزن 

ما اروع ان تشعر انك جزء من حدث كبير انتظرته لعقود طويلة وها هو يأتيك في جلسة تخزين ...

فاجلس يا اخ العرب وخزن لعل وعسى ..... 

 

صنعاء ٣٠ / ٢ / ٢٠١٢